للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

/مَنَّتْكَ نَفْسُكَ ضلّة فأطَعْتَها ... سُبُلَ الرَّشَاد وهُنَّ غَيْرُ قَواصِدِ

تَضَعُ الذُّنُوبَ على الذُّنُوب وتَرْتَجِى ... دَرْكَ الجِنانِ بها وفَوْزَ العابِدِ

أَنَسِيتَ أَنَّ الله أَخْرَج آدَماً ... من جَنَّةِ المَأْوَى بذَنْب واحدِ

قال أَبو إِسحاق الزّجّاج: اختلفت الآيات فيما بدئ به خَلْقُ آدَمَ، ففى موضع: {خَلَقَهُ مِن تُرَابٍ} ، وفى موضعٍ: {مِّن طِينٍ لاَّزِبٍ} ، وفى موضعٍ: {مِّنْ حَمَإٍ مَّسْنُونٍ} ، وفى موضع: {مِن صَلْصَالٍ كالفخار} قال: وهذه الأَلفاظ راجعة إِلى أَصل واحد، وهو التُّراب الذى هو أَصل الطِّين، فأعلمنا الله عزّ وجلّ أَنّه خُلِقَ من تراب جُعِلَ طيناً، ثمّ انتقل فصار كالحَمَأِ المَسْنُون، ثمّ انتقل فصار صَلْصالاً كالفخّار.

وقال الثعالبى فى قوله تعالى حكاية عن إِبْلِيس أَنّه قال: {خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ} . قال الحكماء أَخْطَأَ عَدُوُّ الله فى تَفْضِيله النّارَ على الطِّين، لأنّ الطِّين أَفضلُ من النّارِ لوُجوهٍ:

أَحَدُها: أَنَّ من جَوْهَر الطِّين الرّزانة، والسُّكون، والوَقارُ، والحِلْمُ، والأَناةُ، والحَياءُ، والصَّبْر، وذلك سبب تَوْبةِ آدم وتواضُعِه فأورثَه المَغْفِرة والاجْتِباء والهِداية، ومن جَوْهَر النّار الخِفَّةُ والطَّيْشُ والحِدَّةُ والارتفاع والاضْطِراب، وذلك سببُ اسْتِكْبار إِبْلِيس، فأَوْرَثَه اللَّعْنَةَ والهَلاكَ.

والثَّانِى: أَنَّ الجَنَّة موصوفةٌ بأنَّ تُرابَها المِسْك، ولم يُنْقَل أَنَّ فيها ناراً.

الثالِثُ: أَنَّها سبب العذابِ بخلاف الطِّين.

الرّابع: أَنَّ الطّين مُسْتَغْنٍ عن النار، والنَّارُ محتاجةٌ إِلى مكانٍ وهو التّراب.

الخامس: أَنَّ الطّين سببُ جمْع الأَشياء، والنَّار سببُ تَفْريقها. وفى صحيح مُسْلم عن النبىّ صلَّى الله عليه وسلَّم أنه قال: "إِنَّ الله تعالَى خَلَق آدم يومَ الجُمعة". وفى تاريخ دِمشْق

<<  <  ج: ص:  >  >>