للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وذكر أعرابىّ مصيبة نالته، فقال: إنها والله مصيبة جعلت سود الرءوس بيضا، وبيض الوجوه سودا، وهوّنت المصائب، وشيّبت الذوائب.

وهذا كقول عبد الله بن الزّبير الأسدى:

رمى الحدثان نسوة آل حرب ... بمقدار سمدن له سمودا «١»

فردّ شعورهنّ السّود بيضا ... وردّ وجوههنّ البيض سودا

وإنك لو رأيت بكاء هند ... ورملة إذ تصكاّن الخدودا

بكيت بكاء معولة حزين ... أصاب الدهر واحدها الفقيدا «٢»

ونظير هذا التطابق بين السواد والبياض، وإن لم يكن من هذا المعنى، قول ابن الرومى:

يا بياض المشيب سوّدت وجهى ... عند بيض الوجوه سود القرون

فلعمرى لأخفينّك جهدى ... عن عيانى وعن عيان العيون

ولعمرى لأمنعنّك أن تضح ... ك في رأس آسف محزون

بسواد فيه ابيضاض لوجهى ... وسواد لوجهك الملعون

سأل أعرابيان رجلا، فحرمهما، فقال أحدهما لصاحبه: نزلت والله بواد غير ممطور، وأتيت رجلا بك غير مسرور، فلم تدرك ما سألت، ولا نلت ما أمّلت؛ فارتحل بندم، أو أقم على عدم.

قال الأصمعى: وسمعت أعرابيا يقول: غفلنا ولم يغفل الدهر عنا، فلم نتّعظ بغيرنا حتى وعظ غيرنا بنا، فقد أدركت السعادة من تنبّه، وأدركت الشقاوة من غفل، وكفى بالتجربة واعظا وقال أعرابى لرجل: اشكر للمنعم عليك، وأنعم على الشاكر لك، تستوجب من ربك زيادته، ومن أخيك مناصحته.

<<  <  ج: ص:  >  >>