ومدح أعرابى رجلا فقال: ذلك والله فسيح الأدب، مستحكم السبب، من أىّ أقطاره أتيته تثنى عليه بكرم فعال، وحسن مقال.
وذمّ أعرابى رجلا فقال: أفسد آخرته بصلاح دنياه، ففارق ما أصلح غير راجع إليه، وقدم على ما أفسد غير منتقل عنه، ولو صدق رجل نفسه ما كذبته، ولو ألقى زمامه أوطأه راحلته وقال أعرابى: خرجت حين انحدرت أيدى النجوم، وشالت أرجلها، فما زلت أصدع الليل حتى انصدع الفجر.
وقال أعرابى:
وقد تعاللت ذميل العنس ... بالسّوط في ديمومة كالتّرس «١»
إذ عرّج الليل بروج الشّمس
ومن مليح الاستعارة في نحو هذا قول الحسن بن وهب: شربت البارحة على وجه الجوزاء؛ فلما انتبه الفجر نمت، فما عقلت حتى لحفنى قميص الشّمس.
وقال أعرابى لصاحبه في شىء ذكره: قل إن شاء الله، فإنها ترضي الربّ، وتسخط الشيطان، وتذهب الحنث «٢» ، وتقضى الحاجة.
وروى العتبىّ عن أبيه قال: سمعت أعرابيا يقول لأخيه في معاتبة جرت بينهما:
أما والله لربّ يوم كتنّور الطاهى، رقّاص بالحمامة، قد رميت نفسى في أجيج سمومه، أحتمل منه ما أكره لما أحبّ.
قال أبو العباس محمد بن يزيد: وأحسب العتبى صنع هذا الكلام، وأخذه من قول بشّار:
ويوم كتنّور الإماء سجرنه ... وأوقدن فيه الجزل حتى تضرّما
رميت بنفسى في أجيج سمومه ... وبالعيس حتى بضّ منخرها دما