للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بحضرتنا، فقلنا له: أنت أستاذنا، وقد رأينا منك أشياء أنكرناها، قال: ماهى؟

قلنا: دخلنا والطعام بين يديك فلم تدعنا، قال: إنما أذنت لتأكلوا، ولو لم نرد ذلك لم نأذن لكم، قلنا له: ودعوت بالطّست ونحن حضور، قال: أنا مكفوف، وأنتم مأمورون بغضّ الأبصار دونى، قلنا: وحضرت الصلاة فلم تصلّ! قال: الذى يقبلها تفاريق يقبلها جملة! هذا وهو القائل:

كيف يبكى لمحبس في طلول ... من سيفضى لحبس يوم طويل

إنّ في البعث والحساب لشغلا ... عن وقوف برسم دار محيل

وقال:

ذكرت بها عيشا فقلت لصاحبى: ... كأن لم يكن ما كان حين يزول

وما حاجتى لو ساعد الدهر بالمنى ... كعاب عليها لؤلؤ وشكول

بدا لى أن الدهر يقدح في الصّفا ... وأنّ بقائى إن حييت قليل

فعش خائفا للموت أو غير خائف ... على كل نفس للحمام دليل

خليلك ما قدّمت من عمل التّقى ... وليس لأيّام المنون خليل

وكان بشّار حاضر الجواب، سجّاعا، خطيبا، صاحب منثور ومزدوج ورجز ورسائل مختارة على كثير من الكلام، ودخل على عقبة بن مسلم بن قتيبة، فأنشده مديحا وعنده عقبة بن رؤبة، فأنشده أرجوزة، ثم أقبل على بشار فقال:

هذا طراز لا تحسنه يا أبا معاذ! فقال: والله لأنا أرجز منك ومن أبيك! ثم غدا على عقبة من الغد، فأنشده أرجوزته:

ياطلل الحىّ بذات الصّمد ... بالله خبّر كيف كنت بعدى

يقول فيها:

صدّت بخدّ وجلت عن خدّ ... ثم انثنت كالنّفس المرتدّ

وصاحب كالدّمّل الممدّ ... حملته في رقعة من جلدى

حتى اغتدى غير فقيد الفقد ... وما درى ما رغبتى من زهدى

<<  <  ج: ص:  >  >>