فإن كنت قد فارقت نجدا وأهله ... فما عهد نجد عندنا بذميم
والله يعلم نيّتى للأحرار «١» كافة، ولسيدى من بينهم خاصة؛ فإن أعاننى الدهر على ما في نفسى بلغت له ما في النيّة، وجاوزت به مسافة القدر والأمنية، وإن قطع علىّ طريق عزمى بالمعارضة، وسوء المناقضة، صرفت عنانى عن طريق الاختيار، بيد الاضطرار.
فما النفس إلّا نطفة بقرارة ... إذا لم تكدّر كان صفوا غديرها «٢»
وبعد، فحبذا عتاب سيدى إذا استوجبنا عتبا، واقترفنا ذنبا؛ فأما أن يسلفنا العربدة فنحن نصونه عن ذلك، ونصون أنفسنا عن احتماله، ولست أسومه أن يقول:(اسْتَغْفِرْ لَنا ذُنُوبَنا إِنَّا كُنَّا خاطِئِينَ)
، ولكن أسأله أن يقول:(لا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ) .
فحين ورد الجواب وعين العذر رمدة تركناه بعرّه، وطويناه على غرّه، وعمدنا إلى ذكره فسحوناه، ومن صحيفتنا محوناه، وصرنا إلى اسمه فأخذناه ونبذناه، وتنكّبنا خطته، وتجنبنا حطّته «٣» ، فلا طرنا إليه، ولا صرنا به، ومضى على ذلك الأسبوع، ودبّت الأيام، ودرجت الليالى، وتطاولت المدّة، وتصرّم الشهر، وصرنا لا نعير الأسماع ذكره، ولا نودع الصدور حديثه؛ وجعل هذا الفاضل يستزيد، ويستعيد، بألفاظ تقطعها الأسماع من لسانه، وتؤديها إلىّ، وكلمات تحفظها الألسنة من فمه، وتعيدها علىّ؛ فكاتبناه بما هذه نسخته:
أنا أرد من الأستاذ سيدى- أطال الله بقاه- شرعة ودّه وإن لم تصف، وألبس خلعة برّه وإن لم تضف، وقصاراى أن أكيله، صاعا عن مدّ؛ فإنى وإن كنت في الأدب دعىّ النّسب، ضيق المضطرب، سيىء المنقلب، أمتّ إلى عشرة أهله بنيقة، وأنزع إلى خدمة أصحابه بطريقة، ولكن بقى أن يكون الخليط منصفا في الوداد، إذا زرت زار، وإن عدت عاد، وسيدى- أبقاه الله-