ناقشنى في القبول أولا «١» ، وصارمنى في الإقبال آخرا؛ فأما حديث الاستقبال، وأمر الإنزال والأنزال «٢» ، فنطاق الطمع ضيّق عنه، غير متسع لتوقّعه منه، وبعد فكلفة الفضل بيّنة، وفروض الودّ متعيّنة، وأرض العشرة ليّنة، وطرقها هيّنة، فلم اختار قعود التّعالى مركبا، وصعود التغالى مذهبا؛ وهلّا ذاد الطير عن شجر العشرة، وذاق الحلو من ثمرها؛ فقد علم الله أن شوقى إليه قد قدّ الفؤاد برحا إلى برح، ونكأه قرحا إلى قرح، ولكنها مرّة مرّة، ونفس حرّة، لم تقد إلا بالإعظام، ولم تلق إلا بالإجلال والإكرام، وإذا استعفانى من معاتبته، فأعفى نفسه من كلف الفضل يتجشّمها، فليس إلّا غصص الشوق أتجرّعها، وحلل الصّبر أتدرّعها، ولم أعره من نفسى، وأنا لو أعرت جناحى طائر لما طرت إلّا إليه، ولا وقعت إلا عليه:
أحبك يا شمس النهار وبدره ... وإن لامنى فيك السها والفراقد
وذاك لأنّ الفضل عندك باهر ... وليس لأن العيش عندك بارد
فلما وردت عليه الرّقعة حشد تلاميذه وخدمه، وجشم للايجاب قدمه «٣» :
وطلع علينا مع الفجر طلوعه، ونظمتنا حاشيتا دار الأمير أبى الطيب؛ فقلنا:
الآن تشرق الحشمة وتنوّر، وننجد فى العشرة ونغوّر، وقصدناه شاكرين لما أتاه، وانتظرنا عادة برّه، وتوقّعنا مادّة فضله؛ فكان خلّبا شمناه، وآلا وردناه «٤» ، وصرفنا فى تأخّره وتأخّرنا عنه إلى ما قاله ابن المعتز:
إنّا على البعاد والتفرّق ... لنلتقى بالذكر إن لم نلتق