فلو أنّ هذا الفاضل قضى حقّنا بالزيارة عند قدومنا أو الاستزارة، لكان فى الضّرب أحسن، وفى طريق المعاشرة أذهب. لا، ولكنه وعد بالمباراة أولا، وهدّدنا بالمسائل ثانيا، وأخلف بالتخلف ثالثا؛ فأبلغ وجدى إليه، واعرض شوقى عليه، وقل له إن كنت ندمت على النضال، فلا تندم على الإفضال، فإن طويتنا حيث الجهاد، فانشرنا حيث الوداد، وإن لم تلقنا فى باب المكاشرة، فأتنا من باب المعاشرة.
وله إلى الإمام أبى الطيب سهل بن محمد: قد كان الشيخ يعدنى عن هذه الحضرة عدات أشمّ لها الأنف، لا ذهابا بتلك الفواضل عنها، لكن استحالة من هذا الزمان أن يجود بها؛ فحين أسرفت على الحضرة ماجت إلىّ أمواج الشرف منها، وخلص إلىّ نسيم الكرم عنها، وأتحفنى على رسم الإجلال بمركوب شامخ، ومركب ذهب سابغ، وجنيب «١» شرف زائد؛ وسرت بحمد الله محفوفا بأعيان الكتّاب، وعيون الرجال، حتى شافهت بساط العزّ، مستقبلا ملك الشرق أدام الله علوّه، فجذب بضبعىّ عن أرض الخدمة إلى جوار ولىّ النعمة، حرس الله مكانه، فاهتزّ اهتزازا فات سمة الإكرام، وتجاوز اسم الإعظام إلى القيام، فقبلت من يمناه مفتاح الأرزاق، وفتّاح الآفاق، ولحقت منه بقاب العقاب «٢» ، وخاطبنى بمخاطبات نشدت بها ضالّة الكرام، وهلّم جرّا إلى ما تبعها من جميل الإنزال، وسنىّ الأجزال «٣» .