خصّ الله بها الإنسان، وشرّفه بها على سائر أصناف الحيوان، ومركبا لآلة قد تقدّمت كلّ آلة، وحكمة سبقت فى الإنسان كلّ حكمة، وقواما لهندسة عقلية، ومصدرا لعقل العاقل، وجهل الجاهل. الناقل إلينا حكم الأولين، وحاملها عنا إلى الآخرين، الحافظ علينا أمر الدنيا والدين، أول شىء خلقه الله بأمره وسبّحه، ومجّده وحمده وسجد له، فكان له فرسان خلق لهم، وكنت عميدهم، وأقران قصر عليهم، وأنت صنديدهم، وميدان كنت زينه، ومضمار كنت عينه، وحلية كنت سابقها ومعجزها، وغاية كنت مالكها ومحرزها، ورمت بى الأيام إلى معدنه الذى كلفت به وعنيت بطلبه، فانفردت منه بقدح فذّ أوحد، فرد فى مثبته، قد ساعدت عليه السعود فى فلك البروج حولا كاملا، مختلف يؤلّفه أركانها وطباعها، ومتباين أنوائها وأنحائها، وتؤيده بقواها وجواهرها، حتى غذته عرقا فى الثرى معرقا، وأرضعته ناجما، وسقته مكعبا، وأروته مقصبا، وأظمأته مكتهلا، ولوحته مستحصدا، وجللته بهاءها، وألقت عليه عنوانها، وأودعته أعراقها وأوراقها وأخلاقها، حتى إذا شق بازله، ورقّت شمائله، وابتسم من غشائه، ونادى من لحائه، وتعرى «١» عن خز المصيف، بانقضاء الخريف، وانكشف عن لون البيض المكنون، والصدف المخزون، ودر البحار، وفتات الجمار، دعا منه نفق العاج بنقبة الديباج، وقميص الدرر بطراز النساج، فاجتمعت له زينة الأيدى البشرية، إلى الأيدى العلوية، والأنساب الأرضية، إلى الأنساب السماوية، فلما قادته السعادة إلىّ، ورأيته نسيج وحده فى الأقلام، رأيت أولى الناس به نسيج وحده فى الأنام، فآثرتك به مؤثرا للصنيعة؛ عالما أن زين الجياد فرسانها، وزين السيوف أقرانها، وزين بزة لابسها، وزين أداة ممارسها،