وقال عمارة بن عقيل: أجود الشعر ما كان أملس المتون، كثير العيون، لا يمجّه السمع، ولا يستأذن على القلب. وأنشد الجاحظ شعر أبى العتاهية فلم يرضه، وقال: هو املس المتون، ليس له عيون. كأنه وعمارة تجاذبا كلاما واحدا.
وقال ابن عقيل: الشعر بضاعة من بضائع العرب، ودليل من أدلّة الأدب، وأثارة من أثارات الحسب. ولن يهزّ الشعر إلا الكريم المحتد، الكثير السؤدد، الكلف بذكر اليوم والغد.
ومدح بشار المهدىّ فلم يعطه شيئا، فقيل له: لم تجد فى مدحه. فقال:
لا والله، لقد مدحته بشعر لو قلت مثله فى الدهر لما خيف صرفه على حرّ، ولكنى أكذب فى العمل، فأكذب فى الأمل.
نظمه الناجم فقال:
ولى فى أحمد أمل بعيد ... ومدح حين أنشده طريف
مدائح لو مدحت بها الليالى ... لما دارت علىّ لها صروف
قال هشام بن عبد الملك لخالد بن صفوان: صف لى جريرا والفرزدق والأخطل، فقال: يا أمير المؤمنين، أما أعظمهم فخرا، وأبعدهم ذكرا، وأحسنهم عذرا، وأسيرهم مثلا، وأقلّهم غزلا، وأحلاهم عللا، البحر الطامى إذا زخر، والحامى إذا ذعر، والسامى إذا خطر، [الذى إذا هدر جال، وإذا خطر صال، الفصيح اللسان، الطويل العنان، فالفرزدق. وأما أحسنهم نعتا، وأمدحهم بيتا، وأقلهم فوتا، الذى إن هجا وضع، وإن مدح رفع، فالأخطل. وأما أغزرهم بحرا، وأرقّهم شعرا، وأكثرهم ذكرا، الأغرّ الأبلق، الذى إن طلب لم يسبق، وإن طلب لم يلحق، فجرير. وكلّهم ذكىّ الفؤاد، رفيع العماد، وارى الزناد.
قال مسلمة بن عبد الملك، وكان حاضرا: ما سمعنا بمثلك يا بن صفوان فى الأولين ولا فى الآخرين، أشهد أنك أحسنهم وصفا، وألينهم عطفا، وأخفّهم مقالا،