وأكرمهم فعالا. فقال خالد: أتم الله عليك نعمه، وأجزل لك قسمه. أنت والله أيها الأمير- ما علمت- كريم الغراس، عالم بالناس، جواد فى المحل، بسّام عند البذل، حليم عند الطّيش، فى الذّروة من قريش، من أشراف عبد شمس، ويومك خير من الأمس.
فضحك هشام وقال: ما رأيت مثلك يا بن صفوان لتخلصك فى مدح هؤلاء، ووصفهم، حتى أرضيتهم جميعا وسلمت منهم.
ودخل العجّاج على عبد الملك بن مروان فقال له: بلغنى أنك لا تحسن الهجاء، فقال: يا أمير المؤمنين، من قدر على تشييد الأبنية، أمكنه خراب الأخبية، قال: ما يمنعك من ذلك؟ قال: إنّ لنا عزّا يمنعنا من أن نظلم، وحلما يمنعنا من أن نظلم، قال: لكلماتك أحسن من شعرك! فما العزّ الذى يمنعك أن تظلم؟ قال: الأدب [البارع، والفهم الناصع. قال: فما الحلم الذى يمنعك من أن تظلم؟ قال: الأدب] المستطرف، والطبع التّالد، قال: لقد أصبحت حكيما. قال: وما يمنعنى من ذلك وأنا نجىّ أمير المؤمنين؟
قال أبو إسحاق: وليس كما قال العجاج، بل لكثير من الشعراء طباع تنبو عن الهجاء كالطائى وأضرابه، وأصحاب المطبوع أقدر عليه من أهل المصنوع، إذ كان الهجو كالنادرة التى إذا جرت على سجيّة قائلها، وقربت من يد متناولها، وكان واسع العطن، كثير الفطن، قريب القلب من اللسان، التهبت بنار الإحسان.
ومما ينحو هذا النحو من مقامات أبى الفتح الإسكندرى إنشاء بديع الزمان قال: حدثنا عيسى بن هشام قال: طرحتنى النوى مطارحها، حتى إذا وطئت جرجان الأقصى، فاستظهرت على الأيام بضياع أجلت فيها يد العمارة، وأموال وقفتها على التجارة، وحانوت جعلته مثابة «١» ، ورفقة اتخذتهم صحابة، وجعلت للدار حاشيتى النهار، والحانوت ما بينهما؛ فجلسنا يوما نتذاكر الشعر والشعراء،