للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وتلقاءنا شاب قد جلس غير بعيد، ينصت وكأنه يفهم، ويسكت وكأنه لا يعلم، حتى إذا مال الكلام بنا ميله، وجرّ الجدل فينا ذيله. قال: أصبتم عذيقه «١» ، ووافيتم جذيله، ولو شئت للفظت [فأفضت] ، ولو أردت لسردت، ولجاءت الحقّ فى معرض بيان يسمع الصم، وينزل العصم. فقلت: يا فاضل، أدن فقد منّيت، وهات فقد أثنيت، فدنا وقال: سلونى أجبكم، واستمعوا أعجبكم.

قلنا: فما تقول فى امرىء القيس؟ قال: هو أول من وقف بالديار وعرصاتها، واغتدى والطير فى وكناتها، ووصف الخيل بصفاتها، ولم يقل الشعر كاسبا، ولم يجد القول راغبا، ففضل من تفتّق للحيلة لسانه، وانتجع للرغبة بنانه قلنا: وما تقول فى النابغة؟ قال: ينسب إذا عشق، ويثلب إذا حنق، ويمدح إذا رغب، ويعتذر إذا رهب، فلا يرمى إلا صائبا.

قلنا: فما تقول فى طرفة؟ قال: هو ماء الأشعار وطينتها، وكنز القوافى ومدينتها، مات ولم تظهر أسرار دفائنه؟؟؟، ولم تطلق عتاق خزائنه.

قلنا: فما تقول [فى زهير؟ قال: يذيب الشعر والشعر يذيبه، ويدعو القول والسّحر يجيبه.

قلنا: فما تقول] فى جرير والفرزدق؟ وأيهما أسبق؟ قال: جرير أرقّ شعرا، وأغزر غزرا، والفرزدق أمتن صخرا، وأكثر فخرا، وجرير أوجع هجوا، وأشرف يوما، والفرزدق أكثر روما، وأكثر قوما، وجرير إذا نسب أشجى، وإذا ثلب أردى، وإذا مدح أسنى، والفرزدق إذا افتخر أجزى، وإذا وصف أوفى، وإذا احتقر أزرى.

قلنا: فما تقول فى المحدثين من الشعراء والمتقدمين منهم؟ قال: المتقدمون اشرف لفظا، وأكثر فى المعانى حظا، والمتأخّرون ألطف صنعا، وأرقّ نسجا.

<<  <  ج: ص:  >  >>