للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومن إنشائه مقامة ولدها على لسان عصمة وذى الرمة قال: حدثنا عيسى بن هشام قال: بينا نحن فى مجتمع لنا ومعنا يومئذ رجل العرب حفظا ورواية عصمة ابن بدر الفزارى، فأفضى الكلام إلى ذكر من أعرض عن خصمه حلما، أو أعرض عنه خصمه احتقارا، حتى ذكر الصّلتان العبدى واللّعين المنقري، وما كان من احتقار جرير والفرزدق لهما. فقال عصمة: سأحّدثكم بما شاهدته عينى، ولا أحدّثكم عن غيرى: بينا أنا أسير فى بلاد تميم مرتحلا نجيبة، وقائدا جنيبة، عنّ لى راكب على أورق جعد اللّغام «١» ، فاجتاز بى رافعا صوته بالسلام.

فقلت: من الراكب الجهير الكلام، المحيّى بتحيّة الإسلام؟ فقال: أنا غيلان ابن عقبة. فقلت: مرحبا بالكريم حسبه، الشهير نسبه، السائر منطقه. فقال:

رحب واديك، وعزّ ناديك، فمن أنت؟ قلت: عصمة بن بدر الفزارى. فقال:

حياك الله، نعم الصديق، والصاحب والرفيق. وسرنا فلما هجّرنا قال: ألا نغوّر «٢» يا عصمة فقد صهرتنا الشمس؟ فقلت: أنت وذاك، فملنا إلى شجرات ألاء «٣» كأنهن عذارى متبرّجات، قد نشرن الغدائر، وسرحن الضفائر؛ لأثلات متناوحات؛ فحططنا رحالنا، ونلنا من الطعام، وكان ذو الرمة زهيد الأكل. وزال كلّ منا إلى ظل أثلة يريد القابلة، واضطجع ذو الرّمة وأردت أن أصنع صنيعه، فولّيت ظهرى الأرض، وعيناى لا يملكها غمض، فنظرت غير بعيد إلى ناقة كوماء، ضحيت وغبيطها ملقى»

، وإذا رجل قائم يكلؤها كأنه عسيف أو أسيف «٥» ، فلهيت عنهما، وما أنا والسؤال عما

<<  <  ج: ص:  >  >>