للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لا آخذ الله الشيخ بوصف نزعه عن عرضه، وزرعه فى غير أرضه، ونعت سلخه من خلقه وخلقه، وأهداه إلى غير مستحقّه، وفضل استفاده من فرعه وأصله، وأوصله إلى غير أهله. ذكر حديث الشوق ولو كان الأمر بالزيارة حتما، أو الإذن [جزما] أطلق عزما، لكان آخر نظرى فى الكتاب، أول نظرى إلى الركاب، ولاستعنت على كلف السير، بأجنحة الطير «١» ، لكنه- أدام الله عزّه- صرعنى بين يد سريعة النبذ، ورجل وشيكة الأخذ، وأرانى زهدا فى ابتغاء، كحسو فى ارتغاء، ونزاعا فى نزوع، كذهاب فى رجوع، ورغبة فىّ كرغبة عنى، وكلاما فى الغلاف، كالضرب تحت اللحاف، فلم أصرّح بالإجابة وقد عرّض بالدعاء، ولم أعلن بالزيارة وقد أسرّ بالنداء، ولو لم يدعنى بلسان المحاجاة، ولم يجاهرنى بفم المناجاة، لكنت أسرع إليه، من الكرم إلى عطفيه، وفكرت فى مراد الشيخ، فوجدته لا يتعدّى الكرم يشبّ ناره، والفضل يدرك ثاره، وإذا كان الأمر كذلك فما أولاه بترفيه مولاه، عن زفرة صاعدة، بسفرة باعدة «٢» ، ونكباء جاهدة..... وقد زاد سيدى فى أمر المخاطبة، وما أحسن الاعتدال، وقد كفانا منه الأستاذ، وأسأله ألّا يزيد، وقد بدأ ويجب ألّا يعيد، فلا تنفع كثرة العدّ مع قلة المعدود، والزيادة فى الحدّ مع نقصان المحدود نقص من الحدود، وربّ ربح أدى إلى خسران، وزيادة أفضت إلى نقصان، ورأى الشيخ فى تشريفه بجوابه موفّق إن شاء الله تعالى.

اجتلب قوله فى أول هذه الرسالة من قول أبى إسحاق الصابى فى جواب كتاب لبعض إخوانه:

وصل كتابك مشحونا بلطيف برّك، موشحا بغامر فضلك، ناطقا بصحّة

<<  <  ج: ص:  >  >>