للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأغراه بما نهى عنه، وألهجه بما حذّر منه! لقد نظرت إلى هذا نظرا شديدا خشيت أنه سيفضحنى عند جميع من يعرفنى فى عرصة القيامة؛ ولقد تركنى نظرى هذا وأنا أستحى من الله تعالى إن غفر لى! ثم صعق.

ونظر غالب المضرور «١» إلى علام جميل على فرس رائع، فقال: لا أدرى بم أداوى طرفى، ولا بم أعالج قلبى؟ ما أتوب إلى الله من ذنب إلا رجعت فيه، ولا أستغفره من أمر إلّا أتيت أعظم منه، حتى لقد استحييت أن أسأله المغفرة لما يلحق قلبى من القنوط من عفوه، لعظيم حالى بالمنكر الذى أصنعه. فقال له قائل: وأىّ منكر أتيت؟ فقال: أنريد منى أكثر من نظرى هذا! والله لقد خشيت أن يبطل كلّ عمل قدمته، وخير أسلفته، ثم بكى حتى ألصق خدّه بالأرض.

ورأى بعض الزهّاد صوفيا يضحك إلى غلام جميل، فقال له: يا خارب القلب، ويا مفتضح الطرف؛ أما تستحى من كرام كاتبين، وملائكة حافظين، يحفظون الأفعال، ويكتبون الأعمال، وينظرون إليك، ويشهدون عليك، بالبلاء الظاهر، والغلّ الدخيل المخامر، الذى أقمت نفسك فيه مقام من لا يبالى من وقف عليه، ونظر من الخلق إليه.

وقال أبو حمزة بن إبراهيم: قلت لمحمد بن العلاء الدمشقى- وكان سيد المتصوفة، وقد رأيته يماشى غلاما وضيئا مدة ثم فارقه-: لم هجرت ذلك الفتى بعد أن كنت له مواصلا، وإليه مائلا؟ فقال: والله لقد فارقته من غير قلى ولا ملل؛ ولقد رأيت قلبى يدعونى إذا خلوت به، وقربت منه، إلى أمر لو أتيته لسقطت من عين الله عز وجل؛ فهجرته تنزيها لله ولنفسى عن مصارع الفتن، وإنى لأرجو أن يعقبنى سيدى من

<<  <  ج: ص:  >  >>