للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

حالهم، على أنّ إدراك ذلك كان لا يعدمهم في الأيام القليلة العدّة، والفكرة القصيرة المدّة، ولكنهم من بين مغمور بالجهل، ومفتون بالعجب، ومعدول بالهوى عن باب التثبّت، ومصروف بسوء العادة عن فضل التعلم.

وقال رضي الله عنه: المراء يفسد الصداقة القديمة، ويحلّ العقدة الوثيقة، وأقلّ ما فيه أن تكون به المغالبة، والمغالبة من أمتن أسباب القطيعة.

ومن دعائه: اللهم ارزقنى خوف الوعيد، وسرور رجاء الموعود، حتى لا أرجو إلا ما رجّيت، ولا أخاف [إلا] ما خوّفت.

وحجّ هشام بن عبد الملك، أو الوليد أخوه، فطاف بالبيت وأراد استلام الحجر فلم يقدر، فنصب له منبر فجلس عليه؛ فبينا هو كذلك إذ أقبل علىّ بن الحسين بن على بن أبى طالب رضي الله عنه في إزار ورداء، وكان أحسن الناس وجها، وأعطرهم رائحة، وأكثرهم خشوعا، وبين عينيه سجّادة «١» ، كأنها ركبة عنز، وطاف بالبيت، وأتى ليستلم الحجر، فتنحّى له الناس هيبة وإجلالا، فغاظ ذلك هشاما؛ فقال رجل من أهل الشام: من الّذى أكرمه الناس هذا الإكرام، وأعظموه هذا الإعظام؟ فقال هشام: لا أعرفه، لئلا يعظم في صدور أهل الشام؛ فقال الفرزدق وكان حاضرا:

هذا ابن خير عباد الله كلّهم ... هذا النقيّ التقىّ الطاهر العلم

هذا الذى تعرف البطحاء وطأته ... والبيت يعرفه والحلّ والحرم

إذا رأته قريش قال قائلها ... إلى مكارم هذا ينتهى الكرم

يكاد يمسكه عرفان راحته ... ركن الحطيم إذا ما جاء يستلم «٢»

<<  <  ج: ص:  >  >>