عند ذوى الأخطار، وفى تكذيب الظنون، والميل عن النباهة للخمول، إلى كثير من شيمكا التى أسندتما إليها، وسنتكما التى تعاقدتما عليها، فأين هو ممن لا يجارى فيه نقض عرى العهود، ونسكث قوى العقود؟ وأنى هو عن النميمة والغيبة، ومشى الضراء»
فى الغيلة، والتنفق بالنفاق فى الحيلة وأين هو ممن ادّعى ضروب الباطل، والتحلّى بما هو منه عاطل، وتنقّص العلماء والأفاضل؛ هذا إلى كثير من مساو منثورة أنت ناظمها، ومخاز متفرقة أنت جامعها. أنت أيّدك الله إن سوّيته بنفسك، ووزنته بوزنك، أظلم منه لذويه، وأعق منه لبنيه؛ وهبك على الجملة قد زعمت- مفتريا عليه- أنه أشدّ منك قدرة، وأعظم بسطة، وأتمّ نصرة، وأطلق يدا فى الإساءة، وأمضى فى كل نكابة شباة «٢» ، وأحدّ فى كل عاملة شداة «٣» ، وأعظم فى كل مكروه متغلغلا، وآلف إلى كل محذور متوصلا، إن الدهر الذى ليس بمعتب من يجزع، وإن العتبى منك مأمولة، ومن جهتك مرقوبة، وهيهات! فهل توهّم أنه لو كان ذا روح وجثمان، مصورا فى صورة إنسان، ثم كاتبته أستعطفه على الصلة، وأستعفيه من الهجر، وأذكّره من المودة، وأستميل به إلى رعاية المقة، وأستعد على ما أشاعه الفراق فى نفسى من اللوعة، وأضرمه بالبعاد فى صدرى من الحرقة، كان يستحسن ما استحسنته من الاضطراب عند جوابى، ويستجيز ما استجزته من الاستخفاف بكتابى.
وله فصل فى هذه الرسالة، وقد ذكر دعواه فى العلم:
وهبك أفلاطون نفسه فأين ما سننته من السياسة، فقد قرأناه، أتجد فيه إرشادا إلى قطيعة صديق، واحسبك أرسطاطاليس بعينه، أين ما رسمته من الأخلاق؟ فقد رأيناه فلم تر فيه هداية إلى شىء من العقوق، وأما الهندسة فإنها باحثة عن المقادير، ولن يعرفها إلا من جهل مقدار نفسه، وقدر الحقّ عليه وله؛ بل لك فى رؤساء الآداب العربية [منّا ريح ومضطرب، ولسنا نشاحّك، لكن أتحب أن تتحقّق