والبدني الشيء الكثير، (ولا تظن أنه مجردُ نقلٍ من ورقٍ بالٍ عتيق إلى ورقٍ أبيضَ صقيل)، وقد كنت أظن - وبعض الظن ليس بإثم - أن الأمر أسهل من ذلك حتى دخلتُ في البحر، فعلمتُ صدقَ مقولةِ الجاحظ:(أن إنشاء عشرِ ورقاتٍ من حر اللفظ، وشريفِ المعاني، أيسر من إتمام النقص حتى يردَّه إلى موضعه من اتصال الكلام)(١).
فليست قراءةُ المخطوط بالأمر الهين، حتى من كانت له دُرْبَة، تُعْجِزه بعضُ الكلمات، فتمضي عليه الساعات في طلب صحة لفظها، واستقامة حرفها حتى ينبلجَ الفجر، فيهتديَ لقراءتها، فيصيرَ قرير العين، أو يرجعَ بخفي حنين.
ولا أكتم سرًا، وأذيع خبرًا أني قد وقعت على كنز ثمين، وصيد سمين، لو لم يأت من هذا المؤلَّف إلا تخريج أحاديثِ الرسول - صلى الله عليه وسلم -، وآثارِ الصحابة - رضي الله عنهم -؛ حيث تجاوزَ عددُها أكثرَ من سبع مئة من بين حديث وأثر.
وكذا كتابةُ ما يقارب من خمس مئة ترجمة لأعلام من القرون المفضلة، ثم الذين يلونهم إلى عهد المؤلف - رحمه الله -، فضلًا عن المسائل الفقهية التي هي أصل البحث.