وعلى أن قول عمر - رضي الله عنه -: الجمعة لا تمنع من سفر، يحتمل أن يريد به: لا يمنع سفرًا مبتدأ، أما على أنه إذا اجتاز ببلد لا يمنعه الجمعة.
واحتج: بأنه إذا أجاز السفر قبل الزوال، جاز بعده؛ قياسًا على سائر الأيام وسائر الصلوات، ولأنه سافر قبل دخوله في الجمعة، فوجب أن يجوز؛ قياسًا على ما قبل الزوال، أو قبل طلوع الفجر من يوم الجمعة.
والجواب: أنه فيما قبل الزوال روايتان: إحداهما: أنه لا يجوز، فعلى هذا: لا نسلم هذا، والثانية: يجوز، فعلى هذا المعنى فيه، وفيما قبل طلوع الفجر: أنه سافر قبل وجوب الجمعة، وليس كذلك ها هنا؛ لأنه سافر بعد وجوبها، أو بعد دخول وقتها، أشبهَ إذا سافر بعد دخول وقتها، وأما سائر الصلوات، فالمعنى فيها: أنه يجوز فعلها في السفر، وليس كذلك الجمعة؛ لأنه لا يجوز فعلها في السفر، فإذا سافر قبل فعلها، كان تاركًا لها، فلهذا فرقنا بينهما.
واحتج: بأنه ليس فيه أكثر من سقوط الفرض بسفره، وهذا لا يمنع منه السفر؛ بدليل: الصوم يجوز له أن يسافر في أول يوم من رمضان.
والجواب: أن السفر لا يمنع الصوم؛ لأنه يصح فعله فيه، ويمنع صحة الجمعة، ولأن السفر لا يُسقط الصوم، وإنما يتأخر فعلُه.
* فصل:
والدلالة على أنه لا يجوز السفر بعد طلوع الفجر؛ خلافًا لمالك، وأحد قولي الشافعي - رحمهما الله -، وإحدى الروايتين عن أحمد - رحمه الله - هو: أن ما بعد طلوع الفجر وقتٌ لغسل الجمعة، فمنع السفر؛