ولأن الجهر إنما يستحب عند الجماعة، ألا ترى أن المأموم يستحب له أن يرفع صوته بالتكبير عند كثرة الناس للحاجة، ولا يستحب ذلك عند عدمها؟ فنقول: كل من لا يحتمل القراءة عن غيره لا يُشرع في حقه الجهر، دليله: المأموم في سكتات الإمام.
ولأن الأذكار التي يسن فيها الجهر في حق الإمام لا تسن في حق المنفرد، دليله: التكبير، وقول: سمع الله لمن حمده، والسلام، ولا معنى لقولهم: إن الإمام إنما يجهر بذلك ليسمع المأموم؛ لأن القراءة أيضًا بهذه المثابة.
واحتج: بأنه لو كان ما يفعله مع الإمام آخرَ صلاته، وما يقضيه أولَ صلاته، لوجب أن يكون القعود مقدار التشهد مع الإمام فرضًا، حتى لو تركه، فسدت صلاته؛ لأن القعود في آخر الصلاة فرض، وتركه يوجب فساد الصلاة.
والجواب: أن القعود الفرض هو الذي يفعله في آخر صلاته، ويعقبه السلام، وهذا معدوم ها هنا، فهو يجري مجرى التشهد الأول، على أن القعود بعد سجدتي السهو من آخر صلاته، وليس بفرض، فلا يمتنع أيضًا أن يكون القعود الذي يفعله مع الإمام من آخر صلاته، ولا يكون فرضًا.
واحتج: بأنا لا نجد في الأصول صلاة يفعل آخرها قبل أولها.
والجواب: أنا لا نجد في الأصول أيضًا أن يفعل الإمام آخر صلاته، والمأموم أولها.