للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

{وَخَرَّ رَاكِعًا وَأَنَابَ} [ص: ٢٤] حكاية عنه على وجه المدح له، فوجب أن يكون موضعًا للسجود.

والجواب: أنه ليس بمدح، إنما هو إخبار عن ذنبه واستغفاره وتوبته، قال: {وَظَنَّ دَاوُودُ أَنَّمَا فَتَنَّاهُ} [ص: ٢٤]؛ أي: علم داود قول الملكين له: {إِنَّ هَذَا أَخِي لَهُ تِسْعٌ وَتِسْعُونَ نَعْجَةً وَلِيَ نَعْجَةٌ وَاحِدَةٌ فَقَالَ أَكْفِلْنِيهَا وَعَزَّنِي فِي الْخِطَابِ} [ص: ٢٣] تنبيهًا له على ذنبه في امرأة أوريا (١)، وليس كل خبر عن ذنب وتوبة يوجب أن يكون مدحًا لفاعله، فلم يكن حجة على أنه مدح؛ ولأنه إنما يكون حثًا وترغيبًا لمدح إذا كان المدح لمن أطاع من غير معصية، فأما من عصى ثم تاب، وأذنب ثم استغفر، فإنه إذا فعل ذلك ترغيبًا أو حثًا على مثله، وجب أن يكون حثًا على الذنب والتوبة، وهذا لا يجوز، فبان بهذا أنه ليس بمدح؛ إذ لو كان مدحًا، لم يكن للترغيب والحث والتحريض.

واحتج: بأنه لو كان للشكر، لبطلت الصلاة به.

والجواب: أنا لا نعرف الرواية في ذلك، ولو قلنا: إنها تبطل كسائر سجود الشكر، لم يمتنع، وإن قلنا: لا تبطل، فوجهه: أن سبب العلم بهذه النعمة هو القرآن وإذ (٢) سبب، وجعل العلم بالسبب من جهة التلاوة لم تبطل الصلاة، وتخالف سائر سجود الشكر.


(١) ينظر: تفسير الطبري (٢٠/ ٦٧)، وتفسير القرطبي (١٨/ ١٥٥).
(٢) طمس في الأصل بمقدار كلمة.

<<  <  ج: ص:  >  >>