وعلى هذا فقول المؤلف:(يتجر له مجانًا)، ظاهره مطلق سواء شغله عن أشغاله الخاصة أو لا، ولكن ينبغي أن يُقيَّد؛ ما يشغله عن أشغاله الخاصة، ويأبى أن يتجر إلا بسهم، فحينئذٍ نقول: لا بأس، لكن تُرفع المسألة إلى القاضي ليقرر ما يراه مناسبًا.
(وله دفع ماله مضاربة بجزء من الربح)(له) أي: لولي المحجور عليه.
(دفع ماله) أي: مال المحجور.
(مضاربة بجزء من الربح)، (مضاربة) مأخوذة من الضرب؛ لقول الله تعالى:{وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ}[المزمل: ٢٠]؛ لأن الغالب أن التجار يسافرون إلى البلاد ويأتون بالأموال ويبيعونها، ويسافرون إلى البلدان بأموالهم ليبيعوها هناك.
ومعنى المضارَبة: أن يدفع مالًا إلى شخص عامل معروف بالحذق والجودة، ويقول: هذه عشرة آلاف اتَّجر به، ولك نصف الربح مثلًا. نقول: هذه مضارَبة اشتملت على عقْد بين شخصين من أحدهما مال ومن أحدهما عمل.
وهذه من سعة الشريعة الإسلامية؛ لأنه يوجد من الناس من عنده مال، لكنه لا يُحسِن التصرف، ومن الناس من هو قادر على التصرف، لكن ليس عنده مال، فيُكمَّل هذا بهذا بأن يعطي صاحب المال من يحسن التصرف المال مضارَبًا.
(بجزء من الربح) وهنا يجب على الولي أن يختار أقل العروض في الربح، إذا تساووا في الحذق والأمانة.
يعني مثلًا: عرض عشرة آلاف، قال: هذه عشرة آلاف أريد أن أجعلها مضاربة، تقدم إليه رجلان؛ أحدهما قال: يكفيني السدس من الربح، والثاني قال: لا يكفيني إلا الربع، من يعطي؟ الذي طلب السدس، لكن بشرط أن يتساوى الشخصان في الأمانة والحذق، فإن كان من طلب الربع أقوى أمانة وأشد حذقًا، فإنه يُقدَّم؛ لأن هذا أقرب إلى أن يحصل على ربح كثير، وإن كان الله تعالى قد يسوق الربح لرجل أبله ما يعرف، لكن الإنسان ليس له إلا الظاهر.
هل له أن يأخذ هو بنفسه المال مضاربة؟ يعني يعمل بمال المحجور عليه مضاربة؛ يعني يفرض لنفسه سهمًا ويتجر؟