وكانوا قد أووا إلى الغار خوفًا من ظُلم رجل مشرك هربوا منه، لكن تغيَّرت الأحوال؛ لأنهم بقوا ثلاث مئة سنين وتسع سنين، فتغيرت الأحوال، هم أوصوه بهذه الوصايا بناءً على بقاء الملك الأول؛ هذا دليل من الكتاب.
أما من السنة: فقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه وكَّل في العبادات، ووكَّل في المعاملات، فوكَّل علي بن أبي طالب أن ينحر ما تبقى من هديه وأن يقسم جلودها ولحومها (٣)، ووكل رجلًا على أن يشتري له أضحية بدينار، فاشترى الرجل اثنتين بدينار، وباع واحدة بدينار، ثم رجع إلى النبي صلى الله عليه وسلم بشاة ودينار، فقال النبي صلى الله عليه وسلم له:«بَارَكَ اللَّهُ لَكَ فِي بَيْعِكَ»، فكان لا يبيع شيئًا أو يشتريه إلا ربح فيه حتى ولو كان ترابًا؛ ببركة دعوة النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم (٤).
كذلك أيضًا النظر يدل على جواز الوكالة؛ لأنها من مصلحة العباد، فكم من إنسان لا يستطيع أن يعمل أعماله بنفسه، فمن رحمة الله عز وجل وحكمته أن أباح لهم الوكالة، أليس كذلك؟ إذا كان الإنسان مثلًا مشتغلًا بطلب العلم أو بغير ذلك من الأعمال، وهو يريد أن يشتري لأهله خبزًا، ولا يستطيع أن يترك عمله ليشتري الخبز، ماذا يصنع؟ يُوكِّل.
إذن المصلحة تقتضي أن تكون الوكالة جائزة، هذا من حيث الشرع. إذن دل عليها الكتاب والسنة والنظر الصحيح، والمصالح العامة.
أما حكمها الوضعي فيقول رحمه الله:(تصح بكل قوْل يدل على الإذن).
(تصح) الصحة، والفساد، والبطلان، والسبب، والشرط، والمانع، كل هذه أحكام وضعية.
(تصح بكل قول يدل على الإذن)، كل قول يدل على الإذن فإن الوكالة تصح به، فلو قال رجل: يا فلان، خُذ هذه السيارة بِعْها مثلًا، تصح الوكالة، وإن لم يقل: وكَّلتك في بيعها؛ لأن قوله: خُذْها بِعْها؛ يدل على هذا، وإن لم يكن فيه لفظ الوكالة. أما القبول فهو أوسع.