والمتقوم الفرق بينه وبين المثلي أن المثلي ضابطه عند الفقهاء كل مكيل أو موزون ليس فيه صناعة مباحة يصح السلم فيه، هذا المثلي عندهم؛ كل مكيل أو موزون ليس فيه صناعة مباحة يَصِحُّ السلم فيه، وهذا الضابط يضيِّق المثليات تضييقًا بالغًا؛ فإن قولهم: كل مكيل أو موزون يخرج به ما سواهما مع أن الحيوان يمكن أن يكون مثليًّا، والمعدود يمكن أن يكون مثليًّا والمزروع يكون مثليًّا، وما أشبه ذلك، لكن هم يخصونه بالمكيل والموزون.
الشرط الثاني: ليس فيه صناعة مباحة، فإن كان فيه صناعة مباحة فإنه يخرج عن كونه مثليًّا؛ فالبُر إذا طبخ وكان طعامًا خرج عن كونه مثليًّا مع أن أصله مكيل، وكذلك أيضًا الأواني ليست مثليَّة، مع أن أصلها موزون.
وأما قولهم:(مباحة) احترازًا من الصناعة المحرمة؛ لأن الصناعة المحرمة وجودها كالعدم، وأما قولهم: يصح السلم فيه، فهذا أيضًا شدَّد التضييق احترازًا مما كان مكيلًا أو موزونًا، لكنه يختلف ولا ينضبط بالصفة فإنه لا يكون مثليًّا.
والصحيح أن المثليَّ ما كان له مثيل مطابق أو مقارب تقاربًا كثيرًا، ويدل لهذا أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لزوجته التي كسرت الإناء وأفسدت الطعام، قال:«إِنَاءٌ بِإِنَاءٍ وَطَعَامٌ بِطَعَامٍ»(٥)، ولم يضمنها بالقيمة، ثم إننا نقول: الصناعة الآن تتقدم ومن المعلوم أن الفناجين مثلًا من الزجاج مصنوعة وهي مثليَّة أو لا؟ مثليَّة قطعًا، مماثلة الفنجان للفنجان أشد من مماثلة صاع البر لصاع البر، وهذا أمر معلوم، الحليُّ مثلًا، الأقلام، الساعات، كل هذه مثلية، وهي على حدِّ الفقهاء ليست مثلية.
فالصواب إذن أن المثليَّ ما كان له مماثل أو مقارب مقاربة تامة.
على كل حال إذا استعار إناء ثم انكسر الإناء فعلى ما اخترناه يُضْمَن بإناء مثله، وعلى كلام الفقهاء يُضمن بقيمته، وأيهما أقرب للعدل يضمن بمثله.