القول الثاني: إنها لا تُضْمَن إلا بشرط الضمان، وإلا فلا ضمان إلا بتعدٍّ أو تفريط؛ يعني أنه إن اشترط مالكها على المستعير أن يضمنها ضمنها، وإلا فلا ما لم يتعدَّ أو يفرط.
والصواب أن العارية كغيرها من الأمانات؛ لأنها حصلت بيد المستعير على وجه مأذون فيه، وما ترتب على المأذون فليس بمضمون، فيد المستعير يد أمانة، ليست يد خيانة، وإذا كانت يد أمانة فإنه لا ضمان على الأمين، وجه كونها يد أمانة أن هذه العارية حصلت بيد المستعير بإذن مالكها، فهو الذي سلطه عليها، فكيف نُضَمِّنُه بكل حال.
فالصواب أن يد المستعير يد أمانة وأنه كغيره من الأمناء، لا يضمن إلا بتعدٍّ أو تفريط.
فإن شرط عليه الضمان فهذا محل نظر؛ يعني لو قال المعير: إن عليك الضمان مطلقًا سواء حصل منك تعدٍّ أو تفريط أو لا، فهذا محل نظر؛ لأننا قد نقول: إنه إذا شرط أن يضمن فعليه الضمان لعموم الحديث: «المُسْلِمُونَ عَلَى شُرُوطِهِمْ»(٩)، وقد يُقال: لا ضمان عليه؛ لأنه أمين، فكما أن المستأجر لو شرط عليه أن يضمن فالشرط غير صحيح فكذلك هذا، والأقرب أنه كغيره من الأمناء أنه لا يضمن حتى لو شرط، لكن لو قال المعير: لا أعيرك إلا بهذا الشرط؟ فقد يضطر المستعير إلى قبوله؛ لأنه محتاج.
قال:(وعليه مؤونة ردِّها)(عليه) على مَنْ؟ المستعير.
(مؤونة) أي: تكلفة ردِّها إلى صاحبها، فإذا قدَّرْنا أن العارية تحتاج إلى تحميل؛ لأنها أوان كثيرة، وتحتاج إلى رفق وتأن لأنها تتكسر، ومثل هذه تحتاج إلى تكلفة بينة، فهل المؤونة على المستعير أو على المعير؟ نقول: هي على المستعير، ووجه ذلك أن المستعير قبضها لحظ نفسه المحض، والمعير محسن، وما على المحسنين من سبيل؛ فنقول: إذا احتاج ردِّها إلى مؤونة فالمؤونة على المستعير.