بهذا التعريف للوديعة يتبين لنا أن قول العامة الآن إذا جعلوا أموالهم عند البنوك أو ما يُلحَق بها؛ قالوا: هي وديعة. يتبين أن هذا القول غير صحيح؛ لأنهم لم يجعلوا الدراهم عند البنك -أو ما يقوم مقامه- لم يجعلوها للحفظ؛ إذ إن الدراهم ستُجعل في صندوق البنك وسيتصرف فيها، فهو في الحقيقة قرض وليس بوديعة؛ ولهذا نص الفقهاء رحمهم الله على أن المودِع إذا أذن للمودَع أن يتصرف في الوديعة صارت قرضًا.
فكلمة إيداع خطأ؛ لأن الإيداع أن يبقى المالُ لصاحبه على ما هو عليه، وهي في الحقيقة: إقراض وليست إيداعًا، ولذلك لو كانت إيداعًا لقلنا: يجب على البنك أن يجعلها في غلافها، وألا يتصرف فيها.
ماذا يترتب على هذه المسألة؟ يترتب لو أن البنك احترق بأمواله بدون تعدٍّ ولا تفريط، فإذا قلنا: إن وضع المال فيه وديعة؟
طالب: فلا ضمان عليه.
الشيخ: فلا ضمان عليه، وإذا قلنا: إنه بإذن صاحب المال للبنك أن يتصرف فيه صار ضامنًا، كما لو احترق مال المستقرِض فإن القرض ثابت في ذمته.
يقول المؤلف رحمه الله:(إِذَا تَلِفَتْ من بينِ ماله ولم يتعدَّ ولم يفرطْ لم يضمنْ، وإن تلفَتْ مع ماله فمِن بابِ أولى)
(إذا تلفت) يعني الوديعة (من بين ماله) بأن احترقت، أو أفسدها المطر، أو سرقها السراق دون أن يتأثر ماله بذلك: فلا ضمان على المودَع، ما الدليل؟
الدليل قول الله تبارك وتعالى:{مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ}[التوبة: ٩١] والمودَع محسن، فإذا كان محسنًا فلا ضمان عليه، لكن إن تعدى أو فرط ضمن.
إن تعدى بأن أخذ الوديعة أو فك قَيْدَها، أو فرط بأن وضعها في غير حرز، والفرق بين التعدي والتفريط من حيث العموم؛ أن التعدي فِعْل ما لا يجوز، والتفريط ترك ما يجب، فلننظر إذا كان المودَع طعامًا فأكله المودَع عنده، فهذا أيش؟