فإن حدث سفر منه، لكن البيت فيه الأهل والأولاد، فهل يلزمه أن يردها؟ يعني هل يضمنها في هذه الحال لو بقيت؟ الجواب: لا، خصوصًا وأنه سبق لنا أنه إذا دفعها إلى مَن يحفظ ماله فلا ضمان، فهنا نقول: لا ضمان، لكن ينبغي له -أي للمودَع- إذا أراد أن يسافر ولا سيما إذا كانت الوديعة كبيرة؛ أن يقول له: إني سأسافر، فهل تأذن أن أبقيها عند الأهل أو أردها؟
(ردَّها على ربها، فإن غاب): مَن الغائب؟ (إن غاب) أي: ربُّها، إن غاب أو تغيَّب، المهم إذا لم يجده عند السفر أو عند الخوف، لكن عند السفر؛ لأنه قال:(حملها معه إن كان أحرز):
إن غاب صاحبها فإنه يحملها معه، بشرط أن يكون سفره بها أحرز من إبقائها، والغالب أن السفر بها ليس بأحرز؛ لأن السفر يحصل فيه آفات، لكن مع ذلك يقول:(إن كان أحرز).
(حملها معه إن كان أحرز، وإلا) يعني: وإن لا يكن أحرز (أودعها ثقة) أي: جعلها وديعة عند ثقة، فمَن الثقة؟
الثقة مَن جمَع وصفين: القوة، والأمانة، وهذان الوصفان في كل عمل، قال الله تبارك وتعالى:{إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الأَمِينُ}[القصص: ٢٦]. وقال الجِنِّيُّ -العفريت- لسليمان:{أَنَا آتِيكَ بِهِ} أي: بعرش بلقيس {قَبْلَ أَنْ تَقُومَ مِنْ مَقَامِكَ وَإِنِّي عَلَيْهِ لَقَوِيٌّ أَمِينٌ}[النمل: ٣٩]. فالمراد بالثقة هنا: القوي الأمين، فلا يودعها ضعيفًا، ولا يودعها غير أمين.
فإن قال قائل: أرأيتم لو أقرضها مليئًا أيجوز؟ فالجواب: لا؛ لأن القرض عقد لا يجوز إلا ممن يملك العقد أو نائبِه أو وكيلِه، وهذا المودَع لم يوكَّل في القرض.
ولاحظوا أن الإيداع عند البنوك من باب القرض، الناس يسمون -مع الأسف الشديد- يسمون إعطاء البنوك الأموال يسمونه إيداعًا، وهذه تسمية خطأ، بل هي في الحقيقة قرض، ولهذا ينتفع بها البنك ويُدخِلها في رأس ماله ويتَّجر بها ويضمنها لو تلف مالُه كله؛ لأنه أيش؟