(خلطها بغير متميز): مثل أن يُودَع برًّا فيخلطه ببر، فهنا خلط الوديعة بشيء غير متميز؛ لأن حَبَّ البُرِّ أيش هو؟ واحد لا يختلف، فلو خلطها بغير متميز ثم (ضاع الكل) يعني: ضاع ما كان عنده أول وما خلطه به فإنه يضمن.
ويحتمل أن يكون المراد بقوله:(فضاع الكل) فيما إذا أُودِع دراهم فأخرجها من محرز، أو رفَع الختم، أو خلطها بغير متميز، أي أنه راجع للمسائل الثلاثة.
وعُلِمَ من قوله:(خلطها بغير متميز) أنه لو خلطها بمتميز فلا بأس، لكن بشرط أن تكون بحرز مثلها، ولكن ينبغي أن يقال: في هذا تفصيل:
إن خلطها بغير متميز يسهلُ أخْذُها منه فلا بأس، ولا يقال: إن الرجل فرط أو تعدى، مثل أن يخلط حُلِيًّا بدنانير في صندوق مُحْرَز، فهنا خلطها بمتميز أو بغيره؟ بمتميز، بمتميز يسهل تخليصُه.
وأما لو خلط شعيرًا ببُر فهذا وإن كان متميزًا ويقال للمودَع: يجب عليك أن تُخَلِّص الوديعة من خليطها لكان فيه صعوبة، فربما يأبَى أن يخلص ذلك، ويتعب، ويحصل بذلك ضرر على الطرفين.
وعليه فينبغي أن يُقيَّد قولُه:(بغير متميز فضاع الكل) أن يُقيَّد المفهوم، وهو ما إذا خلطها بمتميز بماذا؟ بأن يكون يسهُل تخليصُه من خليطه، وإلا فيكون ضامنًا.
ثم قال المؤلف رحمه الله:
(فصْل: ويُقبل قولُ المودَع في ردِّها إلى ربِّها أو غيرِه بإذنه وتلفها وعدم التفريط)
هذه ثلاث مسائل:
المسألة الأولى: إذا ادَّعى المودَع أنه دفع الوديعة إلى ربِّها، بأن يكون شخص أودَع إنسانًا دراهم، ثم بعد حينٍ جاء يطلبه بها، فقال: إني ردَدْتُها إليك. فالقول قول مَن؟ المودَع؛ لقول الله تبارك وتعالى:{مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ}[التوبة: ٩١]. والمودَع محسن لا شك، وإذا لم يكن عليه سبيل، فإن صاحبها إذا ادَّعى أنه لم يردَّها فالقول قوله؛ لأننا لو قَبِلْنا قولَ صاحبها لكان على المحسن سبيل، هذا وجه.