وعُلِمَ من قوله:(ووارث الواهب) أن وارث المتَّهب لا يقوم مقامه، وعلى هذا فلو وهب شيئًا لشخص ثم مات الموهوب له قبل القبض بطلت الهبة؛ لأنه تعذر قبضه الآن بعد أن مات.
فإذا قال قائل: ما الفرق بين هذا وهذا؟
قلنا: لأنه في مسألة الواهب لم ينتقل الملك؛ يعني قصدي الواهب مَلَكَها الموهوبُ له من قِبَلِه، والمتَّهِب إذا مات فليس شيء قبضه المتهب ثم يرجع إلى ورثته؛ ولذلك فرقوا رحمهم الله بين موت الواهب؛ فقالوا: لا تبطل الهبة به ويقوم وارثه مقامه، وموت المتهب؛ فقالوا: إن الهبة تبطل لتعذر القبض حينئذٍ.
(ومن أبرأ غريمه من دينه)(من أبرأ)(مَن) هذه عامة تشمل الغني والفقير، والمحجور عليه والطليق، والذكر والأنثى، والصغير والكبير (من أبرأ).
ولكن هذا ليس على هذا العموم، (من أبرأ غريمه) بشرط أن يكون ممن يجوز له التبرع.
وقوله:(من أبرأ غريمه) يعني: الذي يطلبه، عندنا طالب ومطلوب، المَدِين يسمى غريمًا، فإذا أبرأه من دينه بلفظ الإحلال أو الصدقة أو الهبة ونحوها.
الآن نرجع إلى العموم الأول (من أبرأ غريمه) قلنا: بشرط أن يكون ممن يجوز له التبرع، وعليه لو أبرأ المحجور عليه غريمه من دينه لم يبرأ؛ لأن المحجور عليه لا يصح تصرفه في ماله.
لو أبرأ ولي اليتيم من دين لليتيم فأبرأ الغريم منه لم يبرأ؛ لأن ولي اليتيم لا يصح له الإبراء.
لو أبرأ الوكيل غريم الموكل من دينه يبرأ أو لا يبرأ؟ لا يبرأ؛ لأن الوكيل ليس له أن يتبرع، الوكيل يتصرف ولكنه لا يتبرع، وهلم جرًّا، كل من يتصرف في مال غيره لا يمكن أن يتبرع به.
وقوله:(من دَيْنه) ظاهره أنه لا فرق بين أن يكون كثيرًا أو قليلًا. وعُلِمَ من كلمة (دينه) أنه لا بد أن يكون الدَّيْن معينًا، فإن كان له على شخص دينان؛ أحدهما بُرُّ والثاني شعير، فأبرأه من أحدهما، هل يبرأ؟ ظاهر كلام المؤلف أنه لا يبرأ؛ لأنه لم يعين الدين الذي أبرأ منه، فلا يبرأ.