وهنا الواجب ليس هو التعديل، بل الواجب هو دفع ما يُخْشَى منه من قطيعة الرحم، وهذا يحصل بماذا؟ بالإسرار؛ أن يعطي الأخ سرًّا.
وما قاله المؤلف من أن التعديل يكون بقدر إرثهم هو القول الراجح، ودليله قسمة الله تبارك وتعالى للأولاد؛ أن للذكر مثل حظ الأنثيين.
وقال بعض العلماء: إن التعديل يكون بالتسوية؛ أي أن يعطي الأنثى كما يعطي الذكر، واحتجوا بظاهر العموم عموم حديث النعمان:«اتَّقُوا اللَّهَ وَاعْدِلُوا بَيْنَ أَوْلَادِكُمْ»، و (أولاد) صالحة للذكر والأنثى، وبقوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم:«أَتُحِبُّ أَنْ يَكُونُوا لَكَ فِي الْبِرِّ سَوَاءً؟ » وظاهره أنهم يعطون بالسوية؛ ليكون البِرُّ بالسوية.
ولكن لا دلالة في ذلك؛ أما الأول فإن قوله:«اعْدِلُوا بَيْنَ أَوْلَادِكُمْ» ولم يقل: سووا، بل «اعْدِلُوا»، والعدل أن يُعطى الذكر مثل حظ الأنثيين. هذه واحدة.
ثانيًا: أنه في بعض ألفاظ الحديث قال: «أَلَكَ بَنُونَ؟ » قال: نعم. قال:«هَلْ أَعْطَيْتَهُمْ مِثْلَهُ؟ » قال: لا. قال:«اتَّقُوا اللَّهَ وَاعْدِلُوا بَيْنَ أَوْلَادِكُمْ»(٩)، فقوله:«أَلَكَ بَنُونَ؟ » يفيد أن القضية بين النعمان بن بشير رضي الله عنه وإخوانه، وأنه ليس هناك أخوات.
ثالثًا: أن قوله: «أَتُرِيدُ أَنْ يَكُونُوا لَكَ فِي الْبِرِّ سَوَاءً؟ » نقول: نعم، هم إذا علموا أن أباهم أعطاهم على حسب قسمة الله لم يكن في قلب أحدهم حقدٌ ولا غلٌّ على الأب، فيبرونه على السواء، فالصواب ما ذهب إليه المؤلف رحمه الله أن التعديل يكون بقدر إرثهم.
(فإن فضَّل بعضهم) يعني: أعطاه أكثر من الآخر، (سوَّى برجوعٍ أو زيادةٍ)(سوَّى) أي: بينهم، ولو قال المؤلف:(عدل) لكان أولى؛ لأن أول كلامه يقول:(يجب التعديل) ولم يقل: التسوية.