ولهذا لما حمل أمير المؤمنين عمر رضي الله عنه على فرس له في سبيل الله، فأضاعه الذي حمله عليه، وظن عمر أنه يبيعه برخص استأذن من النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أن يشتريه فقال له:«لَا تَشْتَرِهِ، وَلَوْ بَاعَكَهُ بِدِرْهَمٍ؛ الْعَائِدُ فِي هِبَتِهِ كَالْكَلْبِ يَقِيءُ، ثُمَّ يَعُودُ فِي قَيْئِهِ»(١).
أما إذا كانت صدقة فالأمر أشنع وأشنع؛ لأنه يكون رجع في هبته، قصدي إذا اشترى صدقته فإنه أشنع؛ لأنه يتضمن شيئين: الرجوع في الهبة، والرجوع فيما أخرجه لله، وما أخرجه لله لا يجوز فيه الرجوع، حتى البلد إذا هاجر الإنسان منها لله لا يجوز أن يرجع ويسكن فيها؛ لأنه تركها لله، وما تُرِك لله فإنه لا يُرجع فيه.
قال:(إلا الأب). الدليل على أن الأب يجوز حديث ورد في هذا:«لَا يَجُوزُ لِوَاهِبٍ أَنْ يَرْجِعَ فِيمَا وَهَبَهُ إِلَّا الْأَبَ؛ فَإِنَّهُ يَرْجِعُ فِيمَا وَهَبَهُ لِابْنِهِ»(٢). لكن هذا الحديث أعلَّه بعضهم وضعَّفه، وقال: إن عموم: «الْعَائِدُ فِي هِبَتِهِ كَالْكَلْبِ»(٣)، مُقدَّم على هذا الحديث الضعيف، وأن الأب ليس له أن يرجع فيما وهبه لابنه؛ لعموم الحديث:«الْعَائِدُ فِي هِبَتِهِ كَالْكَلْبِ يَقِيءُ، ثُمَّ يَعُودُ فِي قَيْئِهِ».
لكننا نقول في الجواب عن هذا: إن الاستثناء وإن كان ضعيفًا فله ما يعضده، وهو أن للأب أن يتملك من مال ولده ما شاء، فإذا كان له أن يتملك ما شاء فرجوعه فيما وهبه لابنه من باب أولى، لا شك.
قال:(إلا الأب)، وقوله:(إلا الأب) يخرج به الجد، فليس له أن يرجع فيما وهب لابن ابنه، أو لابن بنته، ويخرج من ذلك الأم، فليس لها أن ترجع فيما وهبت لابنها.
فإذا قال قائل: ما الدليل؟
قلنا: العموم: «الْعَائِدُ فِي هِبَتِهِ كَالْكَلْبِ». وصيغة العموم لا يُخرج منها إلا ما دل عليه الشرع، وإلا فهي عامة لجميع الأفراد.