وعلى هذا فلو أن المريض لما رأى دُنُوَّ أجله جَمَعَ الورثة، وقال: يا جماعة، أنا مالي مئة ألف، وأنا أرغب أن أوصي ببناء المسجد، وبناء المسجد يكلف خمسين ألفًا، تسمحون؟ قالوا: نعم نسمح، ثم مات، فهل ينفَّذ بناء المسجد؟ ينفَّذ منه ما لا يزيد على الثلث، وأما ما زاد على الثلث فلا.
فإن قال قائل: هؤلاء سمحوا وأَذِنُوا؟
فالجواب: أنهم أَذِنُوا قبل أن يملكوا المال؛ لأنهم لا يملكون المال إلا بعد موت المورِّث، فَإِذْنُهُم وإِذْن مَن لم يكن وارثًا على حد سواء؛ لأنهم الآن غير وارثين، ولا مالكين للمال، ولا يُعْلَم ربما يكون هو المريض وهو الذي يُخْشَى أن أجله قريب، والأصحاء يموتون قبله، وهذا يقع كثيرًا.
وقال بعض أهل العلم: إنه إذا كان مرضه مرضًا مَخُوفًا فإن إذنهم جائز، ولذلك منعناه من التبرع بما زاد على الثلث؛ لتعلق حقهم، فهم هنا يُسْقِطُون حقهم من الاعتراض، لا يتبرعون بالمال؛ لأن المال لم يمكلوه بعد، لكنهم إذا أَذِنُوا فهو يعني إسقاط حقهم من الاعتراض.
قال: ويدل لهذا أن المريض مرض الموت لا يمكن أن يتبرع بأكثر من الثلث من أجل حقهم، ولو قلنا: إن حقهم لا يكون إلا بعد الموت لقلنا: يتبرع بما شاء، وهذا القول هو الصحيح؛ أنهم إذا أَذِنُوا بالوصية بما زاد على الثلث، أو لأحد الورثة فلا بأس.
الوصية بما زاد على الثلث مثَّلْنا له بأيش؟ ببناء المسجد، إنسان عنده مئة ألف، ويريد أن يبني مسجدًا، والمسجد يكلِّف خمسين ألفًا.
الوصية لأحد الورثة أن يجمعهم ويقول: أبنائي أخوكم الصغير محتاج أكثر، أنتم موظفون وليس عندكم قاصر، أنا أريد أن أُوصِي لأخيكم القاصر بمثل نصيبه من الميراث أو أكثر، فيوافقون على هذا.
فالقول الراجح أن هذه الموافقة نافذة وجائزة، إلا إذا علمنا أنهم إنما أَذِنُوا أيش؟ حياءً وخجلًا فلا عبرة بهذا الإذن.