الشيخ: ولو استوعبت جميع المال، لماذا؟ لأنه لم يتبرع بشيء، غاية ما هنالك أنه أجاز تصرف المورِّث قبل أن يملكه هو؛ لأن المورِّث قد كتبه لفلان، أو قد أوصى به لفلان، فتكون إجازة الوارث ليست ابتداءَ عطيةٍ وليست تبرعًا محضًا، وإنما هو تنفيذ لتصرف غيره، ولذلك لا يُشْتَرَط فيها –أي: في هذه الإجازة- شروط العطية، فتصح تنفيذًا.
قال:(وتُكْرَه وصية فقير وارِثُه محتاج)، والمراد بالفقير هنا الفقير عُرْفًا، وليس كالفقير في باب الزكاة، الفقير في باب الزكاة هو الذي لا يجد كفايته وكفاية عائلته سَنَةً، والفقير هنا ما عُدَّ عند الناس فقيرًا ولو كان عنده مؤونة نفسه لمدة سنة.
(وارثه محتاج) يعني: وارِثه أيضًا مثله فقير، يحتاج إلى المال، فهذا يُكْرَه أن يوصِي، لماذا؟ لأنه بعد موته تتعلَّق نفس الوارث به، أي: بالمال، والموصِي لماذا أوصى؟ أوصى للأجر، طلب الأجر، وأيهما أولى؛ أن نحرِم الذي له الحق شرعًا وهو محتاج، ونعطيه شخصًا أجنبيًّا؟ أيهما أولى، الأول أولى، فما دام الوارث محتاجًا والمال قليل فإنه يُكْرَه للإنسان أن يوصِي ولو بالثلث. %%
فعندنا الآن ثلاثة أقسام، أو ثلاثة أحكام للوصية: وصية مسنونة، ووصية محرَّمة، ووصية مكروهة؛ وهي وصية الفقير الذي وارثُه محتاج، إذا قال: أنا أريد الخير، أنا أوصي بثلث مالي للمساجد، قلنا: إغناء الورثة خير، كما قال النبي صلى الله وعلى آله وسلم:«إِنَّكَ أَنْ تَذَرَ وَرَثَتَكَ أَغْنِيَاءَ خَيْرٌ مِنْ أَنْ تَذَرَهُمْ عَالَةً»(٣).
فإن كان وارثه غير محتاج، هو فقير لكن وارثه غير محتاج، فالوصية مباحة؛ لأن الأصل فيها الإباحة.
(وتجوز بالكل لمن لا وارث له) تجوز الوصية بالكل، أي: بكل ماله، (لمن لا وارث له)، فإذا كان رجل ليس له وارث، وعنده أموال عظيمة، وأوصى بهذه الأموال أن تُعْمَرَ بها المساجد، أيجوز أو لا يجوز؟