للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

على خلاف؛ فمنهم مَن قال: يُقْضَى دَيْن الآدمي، فنعطي خمسة آلاف اللي هي التركة نعطيها مَن؟ زيدًا الآدمي، وعَلَّلَ ذلك بأن حق الله مبني على المسامحة، وهو غني عنا سبحانه وتعالى، وحق الآدمي مبني على المشاحَّة، وهو بحاجة إلى حقه فيُقَدَّم.

ومنهم مَن قال: يُقَدَّم حق الله عز وجل؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «اقْضُوا اللهَ، فَاللهُ أَحَقُّ بِالْقَضَاءِ» (٥)، و (أحق) اسم تفضيل، فيُقَدَّم على الحق المفضَّل عليه، وعلى هذا القول نُخْرِج خمسة آلاف التي في التركة لأي شيء؟ زكاة، لأهل الزكاة.

والقول الثالث: يتساويان؛ لأن كلًّا منهما دَيْن في ذمة الميت، فلا يُفَضَّل أحدهما على الآخر، وهذا هو المذهب عند الأصحاب رحمهم الله، وهو الصحيح.

فإن قال قائل: ما هو الجواب عن قول الرسول صلى الله عليه وسلم: «اقْضُوا اللهَ، فَاللهُ أَحَقُّ بِالْوَفَاءِ» (٦)؟

قلنا: الجواب أن معنى الحديث إذا كان دَيْن الآدمي يُقْضَى فدَيْن الله من باب أولى؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «أَرَأَيْتِ لَوْ كَانَ عَلَى أُمِّكِ دَيْنٌ فَقَضَيْتِيهِ أَيُجْزِئُ عَنْهَا؟ »، قالت: نعم، قال: «اقْضُوا اللهَ فَاللهُ أَحَقُّ بِالْوَفَاءِ» (٧).

والمسألة لم تَرِد في حَقَّيْنِ أحدهما لله والآخر للآدمي حتى نقول: إن الرسول صلى الله عليه وسلم حكم بأن دَيْن الله مقدَّم، إنما أراد الرسول صلى الله عليه وسلم القياس، يعني: فإذا كان دَيْن الآدمي يُقْضَى فالله أحق بالوفاء.

ونجيب عن قولهم -القول الآخر؛ أن حق الآدمي مبني على المشاحّة والحاجة- بأن حق الله عز وجل يكون لعباد الله، فالزكاة مثلًا لمن؟ للمخلوقين ما هي لله عز وجل، بمعنى أن الله ( ... ) ينتفع بها، فهي في الحقيقة حق لله وفي نفس الوقت حق لعباد الله، وكذلك نقول في الكفارات وغيرها مما يجب على الإنسان لله عز وجل.

وهذا القول -أعنى القول بأنهما يتحاصَّان ويشتركان- هو القول الراجح.

<<  <  ج: ص:  >  >>