للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ثانيًا: قالوا: إن مقتضى الوصية إلى عمرو عزل زيد ورضاه به.

فإن قال قائل: قد يكون نسي أنه أوصى إلى زيد بأن تكون المدة طويلة؟

نقول: نعم، لنفرض أنه نسي، لكن الإيصاء إلى عمرو يقتضي أنه رضي بعمرو، وإذا اقتضى ذلك فإنه إن قلنا: إنه عزل لزيد فهو عزل، وإن لم يقُل فهو ابتداء وصية فيكون الثاني هو الوصي وحده.

وهذا القول هو الراجح، كما مر علينا في الموصَى له، أنهما يشتركان، وأن القول الراجح أنه للثاني.

ولكن قلت لكم، وأقول الآن تأكيدًا: ينبغي للإنسان إذا كتب وصية إنسان أن يقول: وهذه الوصية ناسخة لما قبلها، كل إنسان يطلب منك أن تكتب وصيته، اكتب لكن قل: هذه الوصية ناسخة لما سبقها حتى تُريح الذين يأتون بعدك، ولا يحصل التباس.

وقوله: (لا ينفرد أحدهما بتصرف لم يجعله له)، عُلِم منه أنه إذا انفرد أحدهما بتصرف جعله له فلا بأس؛ ينفرد كما لو قال: أوصيتُ بخُمسي إلى زيد وعمرو في أعمال الخير، يتولَّى صرفه في طلبة العلم زيد، من الذي يتولى هذا؟ زيد؛ لأنه خصه، يتولى عمرو صرفه فيمن احتاج إلى النكاح، من يتولى هذا؟ عمرو؛ لأنا نمشي في الوصية على ما يقتضيه كلام الموصِي.

قال: (ولا تصح وصية إلا في تصرف معلوم يملكه الموصي كقضاء دَيْنه، وتَفْرِقَة ثُلُثِه، والنظر لصغاره)، يعني الوصية لا تصح بالنسبة للمُوصَى إليه إلا في تصرف معلوم يبينه الموصِي، ويكون الموصِي يملك ذلك، فإن كان في تصرف مجهول فإنه لا يصح.

وهل مثله إذا أطلق ولم يذكر تصرفًا؟ يحتمل هذا وهذا مثل أن يقول: أوصيتُ بخمسي إلى فلان. فقط ولا يذكر شيئًا، هذا لم يذكر شيئًا، فظاهر كلام المؤلف أنه لا تصح الوصية؛ لأن الموصَى إليه الآن ماذا يصنع؟

لكن القول الراجح أنه تصح الوصية ويقال للموصى إليه: افعل ما يقتضيه العُرْف، أو افعل ما ترى أنه أحسن شيء في أمور الخير حتى وإن اقتضى ضرورة خلاف.

<<  <  ج: ص:  >  >>