ومن ذلك القضاة مثلًا، القاضي إذا جعلت وزارة العدل رجلًا قاضيًا في الأنكحة لم ينظر في المواريث، وإذا جعلته قاضيًا في المواريث لم ينظر في البيوع، وإذا جعلته قاضيًا في البيوع لم ينظر في قسمة المواريث وهلم جرًّا.
فالوكالة والوصاية تتقيد بما عُيِّن له فلا يزيد، فعلى هذا نقول: من وُصِّيَ إليه بشيء لم يكن وصيًّا في غيره؛ بناءً؛ يعني التعليل لأن هذا الوصي يتصرف بالإذن فوجب أن يقتصر على ما أُذِن له فيه ولا يتعداه، هذا هو التعليل، وهو تعليل ظاهر ليس فيه شبهة.
(لم يَصِر وصيًّا في غيره، وإن ظهر على الميت دَيْن يستغرق بعد تفرقة الوصي لم يضمن) وهذه مسألة مهمة، لو ظهر على الميت دين بعد أن تصرف الوصِي، وصرف الموصَى به إلى جهته، ثم ظهر دين على الميت؛ فإنه لا ضمان على الوصي؛ لأنه تصرف تصرفًا مأذونًا فيه؛ فليس عليه ضمان.
مثال ذلك: أوصى إلى زيد أن يبذل عشرة آلاف ريال في بناء مسجد، فصرفه، ثم ظهر على الميت دَيْن يستغرق العشرة، فليس عليه ضمان، لماذا؟ لأنه تصرف تصرفًا مأذونًا فيه فوقع موقعه وهو مجتهد وليس عالِمًا بالغيب.
فإذا قال قائل: أين يكون حق صاحب الطلب صاحب الدَّيْن؟
نقول: صاحب الدَّيْن ليس له شيء بخلاف ما إذا أخذ الورثة المال، ثم تبين بعد ذلك أن عليه دينًا -أي على الميت- فإنه يؤخذ من الورثة، يؤخذ من كل إنسان ما أخذ، والفرق ظاهر؛ لأن مسألة الوصي تَصرَّف لغيره، والورثة تصرَّفوا لأنفسهم فتلف المال تحت أيديهم؛ فلزمهم ضمانه. وهذه مسألة قد يظن الظان أنه لا فرق بينهما، والفرق بينهما واضح.
فإن قال قائل: إذا كان يمكن استرجاع الوصية فهل يُلزم الوصي بها؟ كما لو أوصى لزيد بعشرة آلاف ريال وقال الوصي: في ذلك فلان، فصرفها الوصي إلى هذا المعين، فإنه إذا تبين على الميت دين لم يضمن الوصي؛ لأنه تصرف تصرفًا مأذونًا فيه فوقع موقعه.