ثم نقول: إن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أعتق صفية، وجعل عتقها صداقها، ولم ينطق بلفظ الزواج، أتقولون: إن نكاح الرسول لصفية غير صحيح؟ كلا والله، ولهذا اضطروا أن يستثنوا هذه المسألة، قالوا: إلا إذا كان له أَمَة وقال: أعتقتك وجعلت عتقك صداقك، فإنه ينعقد؛ لأنه لا يمكنهم أن يدفعوا السنة، فقالوا: إلا فيما إذا كان له أَمَةٌ فأعتقها وجعل عتقها صداقها، فيصح أن يقول: أعتقتك وجعلت عتقك صداقك، عرفتم؟
والقول الراجح في هذه المسألة أن النكاح ينعقد بما دَلَّ عليه بأي لفظ كان، سواء قال: زَوَّجْتك، أو قال: جَوَّزْتك، أو قال: أعطيتك، أو قال ملَّكْتك، أو ما أشبه ذلك؛ لأن هذا عقد، فيُحْمَل على ما يتعارفه الناس ويرون أنه عقد، وليس مُتَعَبَّدًا بلفظه.
ثم إنه في حديث الواهبة نفسها قال له النبي صلى الله عليه وسلم:«مَلَّكْتُكَهَا بِمَا مَعَكَ مِنَ الْقُرْآنِ»(٢)، «مَلَّكْتُكَهَا»، وفي بعض الألفاظ:«زَوَّجْتُكَهَا»، فلما اختلفت الألفاظ في ذلك دَلَّ على أنها سواء، وإلا لو كان يختلف هذا وهذا ما جاز للرواة أن يَرْوُوه على وجهين، على لفظ:(زَوَّجْتُكَ)، وعلى لفظ:(مَلَّكْتُكَ)، انتبهوا يا جماعة إلى هذه النقطة؛ لأن بعض الناس قال: هذا ليس فيه دليل -حديث سهل في قصة الواهبة نفسها- قالوا: لأن القصة واحدة، والعقد؟
طالب: واحد.
الشيخ: واحد، ولا يمكن أن يقول الرسول: زَوَّجْتُكَ بما معك من القرآن، ثم يقول: مَلَّكْتُكَ، ما يمكن، فهو قد قال أحد اللفظين ولا بد، نقول: الأمر كما قولتم، هو قال أحد اللفظين، لكن كون الرواة ينقلونه بلفظ: ملكت، وزَوَّجْت دليل على أنه ليس بينهما فرق؛ لأن نقل الحديث بالمعنى لا يجوز إلا إذا كان المعنى مطابقًا للفظ النبوي.