يقول رحمه الله:(وإن تأخَّر عن الإيجاب صح)، لكن هذا قد يقول قائل: إنه تحصيل حاصل، إن تأخر القبول عن الإيجاب صح؟
نقول: ليس مراد المؤلف رحمه الله أن يبين لنا أن القبول إذا تأخر عن الإيجاب صح، لكنه قال هذا القول تمهيدًا لما بعده، وهو قوله:(ما دامَا في المجلس ولم يتشاغَلَا بما يقطعه) ولَّا من المعلوم أنه إذا تأخر يصح ما فيه إشكال، وليس هذا من باب (السماء فوقنا والأرض تحتنا)، ولكن قال ذلك تمهيدًا لما يأتي بعد، وهو قوله:(ما دامَا في المجلس)، يعني: ولو طال الزمن، (ولم يتشاغَلَا بما يقطعه) فإن تفرَّقَا؟ يقول:(إن تفرَّقَا قبله بَطَلَ)، وكذلك لو تشاغَلَا بما يقطعه.
رجل قال للزوج: زَوَّجْتك بنتي، فسكت الزوج وبدأ يشرب القهوة والشاهي، لما مضى عشر دقائق أو ربع ساعة قال: قَبِلْت، يصح ولَّا لا؟
طلبة: يصح.
الشيخ: نعم يصح؛ لأنه لم يتشاغل بما يقطعه، ولم يتفرقَا من المكان، لكن كأن الزوج لما قيل له: زَوَّجْتك، كأنه جعل يفكر، كان بالأول مشفقًا، فلما حصل ما يريد تردَّد، وهكذا طبيعة الإنسان هو مشفِق على الشيء ما لم يدركه، فإن أدركه هان في نفسه.
انظر إلى الصيادين الذين يصيدون الطيور أول ما يرى الطير يجد قلبه يطير معه مِن حُرْقَتِه على حصوله، فإذا رماه وسقط بالأرض لم يساوِ عنده ريشة.
فهذا الزوج لما قال له: زَوَّجْتك بنتي، وكان بالأول مشفقًا، سكت له ربع ساعة، ثم قال: قبلت، نقول: يصح، لماذا؟ لأن القبول في محله، فهما لم يتفرقَا ولم يتشاغلَا بما يقطعه، فإن قال: زَوَّجْتُك بنتي، وذهب الزوج بعد هذا القول، ولَمَّا صار العصر جاء إليه، هذا في الصباح، وفي العصر جاء إليه قال: قبلت النكاح، يصح؟
طلبة: لا يصح.
الشيخ: فإن قال: أَمْهِلْنِي إلى العصر، قال: أمهلتك، فجاءه بالعصر وقال: قبلت.