للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وبهذا تَبَيَّنَ أن ادِّعاء النسخ لا يصح؛ لهذه الوجوه الثلاثة؛ ضعف الحديث، وعدم العلم بالتاريخ، وإمكان حمله على ما لم يدبغ؛ فيبقى حديث ميمونة محكمًا لا نسخ فيه.

ولكنه يبقى عندنا مسألة القياس والنظر؛ كيف تقولون: لو دبغت الكبد ما طهرت؛ ولو دُبِغَ الجلد طَهُر؟ وكلها أجزاء ميتة، ونحن نعرف أن الشريعة الحكيمة لا يمكن أن تُفَرِّق بين مُتَماثِلَيْن؟ إذن كيف نتخلص من هذا القياس؟

الجواب على هذا من وجهين:

الوجه الأول: أنه متى ثَبَت الفرق في القرآن أو السنة بين شيئين متشابهين فاعلم أن هناك فرقًا في المعنى، ولكنك لم تتوصل إليه؛ لأن إحاطتك بحكمة الله غير ممكنة.

فمتى وَجَدْتَ حُكْمَيْن في شيئين متشابهين في الشريعة، ولكنَّ الحكمين متغايران فاعلم أن هناك سببًا اقتضى اختلافهما في الحكم، ولكن لا يلزم من ذلك أن تعرف هذا السبب، فما موقفك حينئذ؟ التسليم.

ثانيًا: أن نقول: إنه يمكن الفرق بين اللحم والشحم والجلد، فإن حلول الحياة فيما كان داخل الجلد -لأن الجلد كالوعاء- حلول الحياة في ما كان داخلًا أشد من حلوله في الجلد نفسه، لأن الجلد -كما تعلمون- فيه نوع من الصلابة بخلاف اللحوم والشحوم والأمعاء، وما كان داخلُه فإنه ليس مثله، فلا يكون فيه الخبث الذي من أجله صارت الميتة حرامًا ونجسة.

ولهذا نقول: إنه يُعْطَى حُكْمًا بين حُكْمَين:

الحكم الأول: أن ما كان داخل الجلد لا يَطْهُر بالدباغ، ولا بالتنظيف، وما كان خارج الجلد من الشعر والوبر والريش فهو طاهر، والجلد بينهما، فلهذا أعطي حُكمًا بينهما.

وبهذا نعرف سمو الشريعة، وأنها لا يمكن أن تُفَرِّق بين مُتَماثِلَيْن، ولا أن تَجْمَع بين مختلفين.

وأن كون الجلد يَطْهُر بالدباغ من الحكمة العظيمة، وكونه يَنْجُس بالموت من الحكمة العظيمة أيضًا؛ لأنه ليس كالشعر والوبر والريش، وليس كاللحم والشحم والأمعاء، ونحو ذلك.

( ... ) والثاني أن يتحقق ( ... ).

<<  <  ج: ص:  >  >>