للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقوله: (فأقل) يعني ولا تُسن بأكثر، والدليل قول النبي صلى الله عليه وسلم لعبد الرحمن بن عوف: «أَوْلِمْ وَلَوْ بِشَاةٍ» (٩). فجعلوا هنا (لو) دالة على التكثير، وهذا خلاف المعهود في اللغة العربية في مثل هذا التركيب؛ إذ إن قوله: «وَلَوْ بِشَاةٍ» في مثل هذا التركيب تعني أن أقل ما يكون الشاة، وهذا هو الصحيح.

والصحيح أن كثرة الوليمة أو قلتها يعود إلى أحوال الداعي، ومقتضيات الحال، فإذا كان الداعي غنيًّا قلنا له: أولم ولو بشاة، وإذا كان فقيرًا قلنا له: أولم ولو بشاه، صح؟ نعم، بشاه الثانية يعني شاهي لكن حُذِفت منه الياء تخفيفًا، هذا ما نقوله عند التقرير والشرح لكن نقول: إن الوليمة تتبع حال الشخص؛ لقول الله تعالى: {لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ} -أي ضيق- {فَلْيُنْفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ} [الطلاق: ٧].

فأمر الله بالإنفاق من السعة لمن كان ذا سعة ومما آتاه الله لمن كان ليس ذا سعة، عبد الرحمن بن عوف كان من ذوي السعة؛ ولهذا قال له النبي صلى الله عليه وسلم: «أَوْلِمْ وَلَوْ بِشَاةٍ».

في زمننا هذا المعهود أن الأغنياء يُولِمون بولائم كبيرة، وأن الفقراء -مع الأسف- يريدون أن يساووا الأغنياء في الولائم، فتجده يستدين ويقترض، وربما يستجدي الناس من أجل الوليمة، وهذا كله غلط حتى الأغنياء لا نقول لهم: إن السنة أن تولموا بشيء زائد إسرافًا بل بشيء مناسب ولا تجروا عباد الله إلى ما لا يطيقون.

(وتجب في أول مرة إجابة مسلم يحرم هجره إليها إن عيَّنَه ولم يكن ثَمَّ منكر)

اشترط المؤلف لوجوب الإجابة شروطًا، أولًا: أن تكون أول مرة، احترازًا من الثانية والثالثة والرابعة والخامسة إلى آخره، واشترط أيضًا أن يكون الداعي مسلمًا، احترازًا مما لو دعاه كافر ذمي أو معاهَد أو مستأمن فإن إجابته لا تجب.

<<  <  ج: ص:  >  >>