قلنا: لا نقول: إنه واجب؛ لأننا لا نتحقق به ترك المحرم، لو تحققنا به ترك المحرم لكان الهجر واجبًا، هذا الهجر فيه أيش؟ سُنّة شرط المصلحة، فإن لم يكن في هجره مصلحة فإنه لا يُهجر؛ لأن الأصل أن هجر المؤمن حرام؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم:«لَا يَحِلُّ لِلْمُسْلِمِ أَنْ يَهْجُرَ أَخَاهُ فَوْقَ ثَلَاثٍ، يَلْتَقِيَانِ فَيُعْرِضُ هَذَا وَيُعْرِضُ هَذَا، وَخَيْرُهُمَا الَّذِي يَبْدَأُ بِالسَّلَامِ»(١٨).
فإذا لم يكن مصلحة بأن كان هذا الذي يحلق لحيته، لو هجرناه لازداد بُغضًا لنا، وبُعدًا منا، ونفورًا عن الحق، وبقي على حلق لحيته صار الهجر هنا حرامًا؛ إذ لا يحصل منه إلا عكس ما نريد، وأما ما يفعله بعض الإخوة الملتزمين الغيورين على دينهم من هجر أهل المعاصي مطلقًا، فغلط ومخالف للسنة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال:«لَا يَحِلُّ لِلْمُسْلِمِ أَنْ يَهْجُرَ أَخَاهُ». وفاعل المعصية هل هو أخ لك؟
أخ لي مهما فعل من الكبائر، إلا إذا كفر، وعلى هذا فلا يجوز هجْر أهل المعاصي إلا لوجود مصلحة. مر بك إنسان بيده السيجارة، فسلَّم عليك، ترد عليه السلام؟ نعم، أرد عليه السلام؛ لأن لو لم أرد لكان ذلك أشد إمعانًا في معصيته وبُغضه لك، وكراهيته للحق الذي تقول، والمقصود هو المصلحة وإزالة المفسدة.
القسم الثالث من الهجر: هجْر مُباح، لكن هذا القسم مقيد بثلاثة أيام فأقل، وهو ما يحصل من الهجر بين الإنسان وأخيه بسبب سوء تفاهم، اختلاف في قيمة مبيع، عمل عملًا مثلًا لا أرى أنه من الأدب أن يعمله معي، فهَجَرته فلي ذلك في خلال كم؟ ثلاثة أيام فقط، وهذا هجر مباح وليس مطلوبًا، وليس محرمًا هذا هجر مباح لكنه محدد بثلاثة أيام، فمن الذي لا تُجاب دعوته؟ الذي يجب هجره.