ثم قال المؤلف رحمه الله: ويجب (عليه)، أي: على الزوج، (أن يساوي بين زوجاته في القَسْم)؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم:«مَنْ كَانَ لَهُ امْرَأَتَانِ فَمَالَ إِلَى إِحْدَاهُمَا جَاءَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَشِقُّهُ مَائِلٌ»(١٤)، وهذا يدل على أن عدم التسوية من كبائر الذنوب؛ لأنه رَتَّبَ عليه الوعيد، لكن يقول:(في القَسْم) لا في الوطء، يعني: لا في الجماع، فله أن يجامع إحداهما مرتين أو ثلاثًا، ولا يجامع الأخرى أبدًا، وعَلَّلُوا ذلك بأن الجِمَاع ينشأ عن المحبة، والمحبة لا يملكها الإنسان، ولا يستطيع أن يتحكم فيها، وقد قال الله تعالى:{وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّسَاءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ فَلَا تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ فَتَذَرُوهَا كَالْمُعَلَّقَةِ}[النساء: ١٢٩]، ولأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يَقْسِم بين زوجاته ويعدل، ويقول:«هَذَا قَسْمِي فِيمَا أَمْلِكُ فَلَا تَلُمْنِي فِيمَا لَا أَمْلِكُ»(١٥)، وهذا حق؛ لأنه إذا كان لا يرغب إحداهما فإنه لا يمكن أن يجامعها إلا بمشقة، ثم إن تكلُّف الإنسان للجماع يُلْحِقه الضرر، إذا لم يكن هناك داعٍ يدعوه إلى الجماع فإن تكلُّفَه يضر الإنسان، فإذا كان يتكلف الجماع لهذه المرأة ولا ينشط عليه فإنه لا يُلْزَم به، لا يكلف الله نفسًا إلا وسعها.
لكن لو تعمَّد أن يجمع نفسه لإحداهما، فهل نقول: إن هذا داخل في اختياره فيحرُم، أو نقول: الأصل أنه لا تجب المساواة في الجماع؟ الأول، يعنى لو أن الإنسان يجمع نفسه لإحداهما الثانية لا يجامعها علشان يكون نشيطًا على الجماع في الثانية، فإن هذا حرام عليه؛ لأنه يملك ذلك.