يقول رحمه الله:(فإن نوى بطالقٍ مِنْ وَثَاقٍ) يعني: نوى بقوله: أنت طالق طالقًا من وَثَاق؛ يعني: من ربط. فهل يُقْبَل أو لا؟ نقول: لا يُقْبَل حكمًا؛ يعني: لو ترافعت المرأة وزوجها إلى القاضي لم يُقْبَل كلامه؛ لأن القاضي إنما يحكم بالظاهر؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم:«إِنَّمَا أَقْضِي بِنَحْوِ مَا أَسْمَعُ»(٦).
فهذا رجل آذته زوجته؛ تقول: طلقني، طلقني، قال: أنت طالق، أنت طالق، أنت طالق، أنت طالق، أنت طالق، كم دولي؟ خمسة، ثم قال: أردت أنت طالق من وَثَاق؛ يعني: ما قيدت بالحبل، هل يقبل أو لا؟
نقول: أما إن صدقته فلا طلاق؛ لأن لفظه يحتمل ذلك، وأما إن رافعته إلى القاضي وقال: نعم، أنا قلت خمس مرات: أنت طالق لكني أردت طالقًا من وثاق، فالقاضي يحكم بأنها طالق، ويفرق بينها وبين الزوج، وتحل للأزواج من بعده. تحل ظاهرًا وباطنًا ولَّا ظاهرًا؟ ظاهرًا إذا كان صادقًا في قوله: إنه نوى الطالق من وثاق.
فإن قال قائل: ماذا تقولون؛ هل الأولى للمرأة أن تحاكمه لتطلق أو أن تصدقه فلا تطلق؟
في هذا تفصيل؛ إذا كان الزوج ممن يتقي الله وعلمنا أنه صادق بقوله: إنه أراد طالقًا من وثاق، فيحرم عليه أن تحاكمه؛ لأنها الآن تعتقد أنه لم يطلقها وأنه صادق، فلا يحل لها أن تحاكمه، وأما إذا كان الرجل لا يخاف الله وهو رجل متهاون، فيجب عليها أن تحاكمه، فإن ترددت في ذلك فالأولى ألَّا تحاكمه؛ لأن الأصل بقاء النكاح. فعرفنا الآن أنه إذا أراد طالقًا من وثاق فإنه لا يُقْبل حكمًا.