فأقول يا إخواني: هذه المسائل يجب أن نبلغ العوام، إن المسألة ما هي مُسَلَّمَة، يعني حتى لو كنا نعتقد نظريًّا أن الطلاق الثلاث واحدة فقد يكون من باب التربية أن نمنع الزوج من الرجوع، كما فعل عمر رضي الله عنه، عمر رضي الله عنه يرى أن الطلاق الثلاث واحدة، هو نفسه يرى هذا، كما هو في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم وفي عهد أبي بكر، لكنه قال رضي الله عنه: أرى الناس قد تعجَّلُوا في أمر كانت لهم فيه أناة، فلو أمضيناه عليهم (١)، وهذا اجتهاد منه، من أجل أن الإنسان إذا عرف أنه إذا طلق ثلاثًا مُنِعَ من الرجوع فإنه لا يُطَلِّق.
فالمسألة -يعني كون الطلاق الثلاث واحدة- هذا هو الحق لا شك فيه، لكن إذا رأينا من الناحية التربوية حتى لا يقع الناس في هذا الطلاق المحرَّم أن نمنع من الرجوع فلنا ذلك، كما فعل عمر رضي الله عنه.
فيجب على طالب العلم أن يعلم أن المقصود في الشريعة الإسلامية من أولها إلى آخرها هو إصلاح الخلق، فحيث وُجِدَ الإصلاح فثَمَّ الشريعة، إلا ما نُهِيَ عنه بخصوصه فنعلم أنه لا صلاح فيه.
فإذا رأينا مثلًا أن مَن طَلَّق في الحيض ألزمناه بطلاقه وإن كنا نرى أنه لا يقع فلا بأس، حتى لا يتسرع الناس في الطلاق في الحيض، وهذه تحتاج إلى نظر عميق وسياسة شرعية، والرسول عليه الصلاة والسلام يراعي السياسة الشرعية، لما أراد أن يبني الكعبة على قواعد إبراهيم بعد أن فتح مكة خاف أن يكون هناك مفسدة من حُدَثَاءِ العهد بالإسلام، فامتنع من ذلك، مع أنه يرى صلى الله عليه وعلى آله وسلم أن إعادتها إلى قواعد إبراهيم هو الأَوْلَى، لكن تركه خوفًا من مفسدة. (٢)