للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فهل نقيد المطلق بالإيمان، أو نقول: المطلَق مع المطلَق لا يقيدان بالإيمان؟ هذا مختلف فيه؛ منهم من قال: إن آية الظهار وآية كفارة اليمين اللتين فيهما الإطلاق يجب أن يحملا على آية القتل، فنشترط في الرقبة أن تكون مؤمنة، ومنهم من قال: لا، نطلق ما أطلقه الله، ونقيد ما قيده الله عز وجل: {وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا} [مريم: ٦٤]، والأسباب مختلفة، ليس الحنث اليمين، ولا الظهار من الزوجة كالقتل أيهما أعظم؟ القتل أعظم، فلهذا اشترط الله في كفارته أن تكون الرقبة مؤمنة، وإذا كان القتل أشد فلا يمكن أن نقيس الأخف على الأشد، وهذا -كما تعلمون- قول قوي ووجيه؛ وهو أن الإيمان في رقبة الكفارة شرط في كفارة القتل فقط، لكن يشكل على هذا حديث معاوية بن الحكم رضي الله عنه، أنه قال: يا رسول الله، إنّ لي جارية غضبت عليها يومًا فصككتها كما يغلط بنو آدم، وإني أريد أن أعتقها لأجل أن تُكفَّر هذه اللطمة، فأمره النبي صلى الله عليه وسلم أن يأتي بها، فأتى بها فقال لها -أي الرسول صلى الله عليه وسلم-: «أَيْنَ اللَّهُ؟ ». قالت: في السماء، قال: «أَعْتِقْهَا؛ فَإِنَّهَا مُؤْمِنَةٌ» (٣). فأمر بإعتاقها معللًا ذلك بأنها مؤمنة، فإذا كان لا يمكن إعتاق الكافرة في غير الكفارة؛ ففي الكفارة من باب أوْلى، وهذا مما يؤيد أن الإيمان شرط في الرقبة إذا كانت كفارة في اليمين أو كفارة في الظهار.

بل ظاهر الحديث أن الإيمان شرط في كل عتق؛ ولأننا إذا أعتقنا الكافر لا نأمن أن يلحق بالكفار؛ لأنه إذا عتق صار حرًّا، لا يمكن لسيده ولا لغيره أن يمنعه عما يريد، فيُخشى أن يلتحق هذا الكافر بالكفار، ويكون ذلك سببًا لتعسر إسلامهم، وربما يكون الكفار الذين التحق بهم حربيين، فيكون هذا العبد حربًا علينا.

إذن نقول: لا بد في الرقبة التي تُعتق في كفارة الظهار أن تكون مؤمنة، بل المؤلف رحمه الله يقول: في كل الكفارات إلا رقبة مؤمنة.

<<  <  ج: ص:  >  >>