للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقال شيخ الإسلام -رحمه الله-: إذا أفسدته بعد الدخول فإنه لا مهر لها، لا لأنه لم يستقر، ولكن من أجل الضمان؛ لأنها لما فوَّتت نفسها على زوجها ضمنته بالمهر، وهذا قول لا شك أنه قوي، فيقول الزوج مثلًا: أنتِ الآن أفسدتِ النكاح، وقيمتك هو المهر، فأعطيني القيمة.

(وَإنْ أَفْسَدَهُ) أي: النكاح، (غَيْرُهَا فَلَهَا على الزَّوْجِ نصْفُ المُسَمَّى قَبْله، وجميعُهُ بَعْدَه، وَيَرْجعُ الزَّوْجُ به عَلَى المُفْسِدِ)

(إن أفسده غيرُها) أي: غير الزوجة، فإن كان قبل الدخول فللزوجة النصف، وإن كان بعد الدخول فللزوجة الجميع، ولكن الزوج ماذا يصنع؟ يرجع بما غَرِمه للزوجة على مَن أفسده.

مثال هذا: امرأة أرضعت زوجة أخيها؛ لأنه تزوَّج طفلة صغيرة، فجاءت أخته فأرضعتها، مَن الذي أفسد النكاح؟

الأخت عليها نصف المهر؛ لأنها أفسدته قبل الدخول، فعليها نصف المهر، وأما إذا كان بعد الدخول كما لو دبت طفلة صغيرة فرضعت من زوجة كبيرة صارت الزوجة الكبيرة الآن أُمًّا للزوجة، فينفسخ النكاح ويجب المهر كاملًا على الزوج، يرجع به على مَن؟ على الطفلة الصغيرة اللي دبَّت ورضعت.

فإذا قال قائل: صغيرة هذه كيف تضمن؟

قلنا: حقوق الآدميين لا يُشْتَرَط فيها العقل، ولا يُشْتَرَط فيها الذُّكْر، بل تضمن، سواء كانت من مجنون أو عاقل، أو ذاكر أو ناسٍ، أو عالم أو جاهل، حقوق الآدميين لا بد أن تكون مضمونة، ولهذا قال: (ويرجع به على المفسِد، ومن قال لزوجته: أنت أختي للرضاع بطل النكاح) مؤاخذةً له بإقراره، إنسان قال لزوجته: أنت أختي لرضاع، نقول: النكاح يبطل، لماذا؟ لأنه أَقَرَّ على نفسه بأنها أخته، والأخت لا يجوز أن يتزوجها، فيفرَّق بينهما، لو قال ذلك مزحًا، هل يؤاخَذ أو لا يؤاخَذ؟

نقول: إن علمنا بالقرائن أنه يمزح لم يؤاخَذ؛ لأنه لا يمكن أن نبطل نكاحًا قائمًا إلا بدليل بيِّن، وإن لم نعلم فإنه يؤاخَذ بإقراره؛ لأن الأصل في الإقرار أنه صحيح.

<<  <  ج: ص:  >  >>