وقد اتفق العلماء على مقتضى هذه الآية بأنه ليس بآثم إذا ترك الإنفاق لإعسار، ليس بآثم؛ لأن الله يقول:{لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا مَا آتَاهَا}[الطلاق: ٧]، ولكن هل هذا يوجب سقوط حق المرأة من الفسخ أو لا؟ هذا محل الخلاف؛ فمنهم من يقول: إن لها الفسخ، ومنهم من يقول: إنه ليس لها الفسخ، ومنهم من يقول: بل عليها إذا كانت غنية أن تنفق على زوجها؛ لأن الله يقول:{وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ}[البقرة: ٢٣٣]، وهي وارثةٌ لزوجها، فعليها أن تنفق عليه إذا كان معسرًا، وهذا رأي ابن حزم يجب عليها أن تنفق عليه إذا كان معسرًا وهي غنية، ولكن جمهور أهل العلم على خلاف ذلك، وقال: إن قوله تعالى: {وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ}[البقرة: ٢٣٣] ظاهره بأن المراد هنا الأقارب؛ لأنه قال:{وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ}[البقرة: ٢٣٣]، الكلام الآن في الإنفاق على الزوجة، ثم قال:{وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ}[البقرة: ٢٣٣] يعني: معناه ينفق على الزوجة لإرضاعها الولد إذا لم يكن له أب، ولكن المسألة في الحقيقة يتعادل فيها النظران؛ إذا نظرنا إلى حال الزوج وجدنا أن الزوجة معذورة، وقد سقط عنه الإثم ولم يفرط الرجل، وإذا نظرنا إلى الزوجة وإذا هي أيضًا في حاجةٍ إلى النفقة، بل في ضرورة، فمن ينفق عليها؟
يبقى النظر لنا أن نسلك مسلكًا وسطًا، ونقول: في هذه الحال يجب عليه إذا كانت الزوجة ذات مهنة أن يأذن لها في طلب الرزق بمهنتها وحينئذٍ ليس لها حق الفسخ، إذا كان الزوج قد أذن لها أن تفوِّت الاستمتاع منها لأجل الحصول المعاش لها فإنها حينئذٍ ليس لها حق الفسخ؛ لأنه في الحقيقة كأنه أنفق عليها، وأما إذا كان لا يمكن هذا فإن الذي يظهر أن لها حق الفسخ إذا طالبت به.