وقيل: إن ذلك ليس بشرط؛ قال بعض العلماء: إنه لا يشترط اتفاق الدين في الإنفاق على القرابة، لماذا؟ قال: لأن الإنفاق من الصلة، وصلة الرحم واجبة حتى بين المسلم والكافر؛ ولهذا سألت إحدى أمهات المؤمنين رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأظنها أم حبيبة، قالت: إن أمي قدمت عليَّ وهي راغبة -يعني: راغبةٌ في الصلة، وإن كانت كافرة- أفأَصِلُها؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم:«نَعَمْ، صِلِي أُمَّكِ»(١٢). قالوا: فإذا كانت الصلة واجبة، فإن من أعظم الصلات أن تنقذ هذا من الموت إذا كان جائعًا؛ وذلك بالإنفاق عليه، تنقذه من الموت من البرد؛ وذلك بكسوته، تنقذه من الموت بعدم الاستظلال من الشمس، أو الاستنكاء من الحر؛ فعلى هذا تجب النفقة، ولكن القول الأول أصح؛ لأن الحكم بوجوب النفقة عُلِّق بوصف الإرث؛ {وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ}[البقرة: ٢٣٣]، ولكن مع هذا إذا قلنا بعدم وجوب النفقة، فإن الصلة واجبة، ولكن الصلة ليست هي النفقة؛ يعني: يمكن الإنسان أنه يصل أقاربه بدون أن ينفق، فالصلة شيء والإنفاق شيء آخر، نعم إذا وصلت المسألة إلى حدِّ الموت فهذا شيء تجب الصلة حينئذٍ، وأما مع عدم الخوف من الموت فإنها لا تجب.
فالصواب إذن القول بعدم وجوب النفقة عند اختلاف الدين؛ لأن النفقة مبنية على الإرث، ولا توارث بينهما لاختلاف الدين.
ولهذا قلنا: الشرط الرابع أن يكون المنفِق وارثًا للمنفَق عليه، فإن كان غير وارث؛ قريبٌ ولكن ليس بوارث، فلا تجب النفقة؛ ففي رجلٍ وابنه فقيرين، وللرجل أخٌ غني، تجب النفقة على الغني ولَّا لا؟ أخٌ غني ولأخيه ابن، وهما فقيران، هل تجب النفقة على الغني؟ رجلان أخوان أحدهما غني والآخر فقير، والفقير منهما له ابنٌ فقير، هل يجب الإنفاق على الأخ ولَّا ما يجب؟