وقوله: أو (مجانًا) ويش معنى مجانًا؟ يعني بدون شيء، يعفو عن القصاص بدون شيء، وهو أفضل منين؟ من القصاص، ومن العفو إلى الدية أيضًا؛ ولكن إلا أن تكون المصلحة في القصاص، فإذا كانت المصلحة في القصاص فالقصاص أفضل حتى من العفو مجانًا، وبهذا نعرف خطأ من يطلق أن العفو أفضل، الله تعالى يقول:{وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى}[البقرة: ٢٣٧]، فذكر أنه {أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى}، وليس هو من التقوى، ولكنه أقرب له؛ لأنه قد لا يكون من التقوى.
ثم إن العفو الذي في القرآن مُقيَّد بقوله:{فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ}[الشورى: ٤٠]، فإذا كان في العفو إصلاح كان العفو أفضل، وإن لم يكن فيه إصلاح فعدم العفو أفضل، فهذا الرجل مثلًا إذا قُدِّر أن الجاني رجل شرير مُعتدٍ على الناس، إذا عفونا عن القصاص عنه في هذا الرجل ذهب وقتل آخر، فهنا لا شك أن العفو خطأ، وأنه ليس فيه أجر؛ لأن الله إنما قيد الأجر بما إذا كان في العفو إصلاح، أما إذا كان في العفو إفساد فإن الله لا يحب المفسدين، وكيف نقول: إن الأفضل أن تعفو مطلقًا.
ومن ثم نرى أن من الخطأ ما يتصرف فيه بعض الناس اليوم في مسألة الحوادث بمجرد ما يحصل الحادث تجده يذهب إلى القاضي، ويقول: أنا متنازل عن حق المدعوس، أو الذي حصل عليه الحادث، وهذا أيضًا من الخطأ، ومن العاطفة المنحرفة.
صحيح أن العطف على الناس زين، لكن العطف يجب أن يكون مقرونًا بالعقل، العطف أو الرأفة التي ليست مقرونة بالعقل لا خير فيها؛ ولهذا قال الله تعالى في الزاني والزانية:{وَلَا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ}[النور: ٢] فليس العفو دائمًا أفضل، وليس الحنان دائمًا أفضل، وليس العطف على الناس دائمًا أفضل، يحتاج الناس أن نتوقف ونشوف ويش أسباب الحادث؟ قد يكون هذا الرجل سكران، هل أن السكران من الأفضل أن نعفو عنه؟