استدلوا لذلك بأثر ونظر؛ الأثر: أن رجلًا طعن رجلًا في ركبته بقرن -قرن معروف قرن بهيمة- فطلب من النبي صلى الله عليه وسلم أن يستقيد منه، فأمره النبي عليه الصلاة والسلام أن ينتظر، ولكنه لم يفعل، فاقتص منه، ثم إن المجني عليه صار أعرج، فأراد من النبي عليه الصلاة والسلام أن يقتص فقال:«إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَدْ أَبْطَلَ عَرَجَكَ»(٨). يعني معناه أن السراية لم تُضمن؛ لأنه اقتص منه قبل البرء، لكن هذا الحديث ضعيف ما تقوم به حجة.
واستدلوا بالنظر، وهو الذي أشرنا إليه قبل قليل، وهو أن المجني عليه لما طالَب أن يقتص قبل البُرء كأنما رضي أن يكون القصاص بمعنى ما كانت عليه الجناية الآن، وأسقط الأثر؛ فلهذا لا تضمن.
لكن عندنا الراجح لا يستثنى شيء؛ لأن الحديث ضعيف، وأما التعليل فنقول: ما دام العلة في ضمان السراية كونها عدوانًا فإن طلب هذا القصاص لا يعني أنه أسقط ما يترتب عليه، بل يعني أنه أراد أن يشفي نفسه قبل أن تبرد المصيبة فقط، نعم، لو قيل له: أنت تُسقط السراية؟ فقال: نعم، أُسقط السراية. لو رضي بهذا صريحًا، قلنا: لا شيء له، أما مجرد أن يُطالب بالمبادرة فهذا لا يدل على إسقاط.
سراية القَوَد غير مضمونة، ويش معنى سراية القود؟ سراية القود يعني القصاص غير مضمونة؛ بمعنى أنك لو اقتصصت من الجاني، وسرى ذلك إلى ما هو أعظم فإنه لا يُضمن، مثاله؟
طالب:( ... ).
الشيخ: مثل رجل قطع إصبع إنسان، ثم قطعنا إصبع الجاني، ثم إن الجاني مات بهذا القطع يضمن ولَّا ما يضمن؟ لا يضمن، لماذا؟ لأن هذا القصاص بحق ولَّا بغير حق؟ بحق، فهو مأذون فيه شرعًا.
ومن القواعد المقررة فقهًا: ما ترتب على المأذون فليس بمضمون، كما أن عكسها ما ترتب على غير المأذون فهو مضمون، على هذا نقول: سراية القوَد غير مضمونة، لماذا؟ لأنها بحق؛ لأن القود بحق، فهو مأذون فيه، وما ترتب على المأذون فليس بمضمون إلا أن يستقيد في حال لا يجوز الاستيفاء فيها.