الأمر الثاني أو الطريق الثاني من طريق الثبوت: أن يُقِرّ السارق بالسرقة، وهل يُشْتَرَط أن يقر مرتين؟ أو يُكْتَفَى بإقرار مرة واحدة؟ المذهب: لا بد من مرتين، لا بد أن يكون مرتين، فإن أَقَرَّ مرة واحدة لم يثبت القطع، ولكن يثبت المال، إذا أقَرَّ مرة واحدة ثبت المال، ولكنه لا يثبت القطع، وذلك لأن القطع عندهم لا يثبت إلا بشاهدين.
ولكن القول الراجح ما عليه جمهور العلماء، ومنهم الأئمة الثلاثة مالك والشافعي وأبو حنيفة، يقولون: إنها تثبت -أي السرقة- حَدًّا وضمانًا بإقرارٍ مرةً، وهذا هو الأصح.
وقد سبق لنا الخلاف في ثبوت الزنا بالإقرار؛ هل يُشْتَرَط فيه التكرار أو لا يُشْتَرَط، وهذا أضعف من الزنا، يعني ثبوته هنا -أي ثبوت السرقة- أضعف، يعني طريق ثبوتها أضعف من طريق ثبوت الزنا.
بقي طريق ثالث لثبوت السرقة اختلف فيه أهل العلم، وهو وجود المال المسروق بيد السارق، مثل أن يَدَّعِي أن فلانًا سرق ماله ويُنْكِر، ثم يوجَد المال عنده، فهل يُحْكَم بالسرقة لوجود المال عند السارق أو لا؟
يرى بعض العلماء أنه يثبت حكم السرقة ما لم يَدَّعِ شبهة، إن ادَّعَى شبهة بأن قال: أنا اشتريته ولا أدري ممن، أو أخذته وأظن أنه مالي، أو ما أشبه ذلك، فهنا ينتفي عنه القطع، وأما إذا لم يَدَّعِ شبهة فإنه يُقْطَع. وإلى هذا ذهب بعض السلف، قالوا: وهو شبيه بوجود الرائحة من شارب الخمر في فمه، أو بتقيُّئِه الخمر.
والصحيح أنه إذا تقيأ الخمر فإنه يُحَدَّ؛ لأنه ما يتقيؤها إلا بعد شربها، وهذا الذي وُجِد عنده المال من أين أتاه المال ما دام أنه ما يدعي أنه اشتراه، ولا أنه غلط فيه، ولا أنه وُهِبَ له، وقد أقر بأن هذا مال فلان، فهو يقول: إنه سرقه، صاحب المال يدعي أنه سرقه.